النبي صلى الله عليه وسلم في رده، ولا بد من تجويز كونه صادقا، وفي تجويز ذلك كونه معذورا.
فإن قيل: الحاكم إنما يحكم بعلمه مع زوال التهمة، وقد كانت التهمة في رد الحكم قوية لقرابته!
قيل: الواجب على غيره ألا يتهمه، إذا كان لفعله وجه يصح عليه، لأنه قد نصب منصبا يقتضى زوال التهمة عنه، وحمل أفعاله على الصحة، ومتى طرقنا عليه التهمة أدى إلى بطلان كثير من الاحكام. وقد قال الشيخ أبو الحسين الخياط رحمه الله تعالى: إنه لو لم يكن في رده إذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم لجاز أن يكون طريقه الاجتهاد، لأن النفي إذا كان صلاحا في الحال لا يمتنع (1) أن يتغير حكمه باختلاف الأوقات وتغير حال المنفى، وإذا كان لأبي بكر أن يسترد عمر من جيش أسامة للحاجة إليه - وإن كان قد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفوذه - من حيث تغيرت الحال، فغير ممتنع مثله في الحكم.
اعترض المرتضى رحمه الله تعالى على هذا، فقال: أما دعواه أن عثمان ادعى أن رسول الله صلى الله عليه وآله أذن في رد الحكم فشئ لم يسمع إلا من قاضى القضاة، ولا يدرى من أين نقله، ولا في أي كتاب وجده! والذي رواه الناس كلهم خلاف ذلك، روى الواقدي من طرق مختلفة وغيره أن الحكم بن أبي العاص لما قدم المدينة بعد الفتح، أخرجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، وقال: لا تساكني في بلد أبدا، فجاءه عثمان فكلمه فأبى، ثم كان من أبى بكر مثل ذلك، ثم كان من عمر مثل ذلك، فلما قام عثمان أدخله ووصله وأكرمه، فمشى في ذلك على والزبير وطلحة وسعد وعبد الرحمن بن عوف