وصك (1) بذلك على عبد الله بن الأرقم - وكان خازن بيت المال - فاستكثره ورد الصك به. ويقال: إنه سأل عثمان أن يكتب عليه بذلك كتابا، فأبى وامتنع ابن الأرقم أن يدفع المال إلى القوم، فقال له عثمان: إنما أنت خازن لنا، فما حملك على ما فعلت؟ فقال ابن الأرقم: كنت أراني خازن المسلمين، وإنما خازنك غلامك، والله لا إلى لك بيت المال أبدا، وجاء بالمفاتيح فعلقها على المنبر، ويقال: بل ألقاها إلى عثمان، فرفعها إلى نائل مولاه.
وروى الواقدي ان عثمان أمر زيد بن ثابت أن يحمل من بيت مال المسلمين إلى عبد الله بن الأرقم في عقيب هذا الفعل ثلاثمائة ألف درهم، فلما دخل بها عليه، قال له:
يا أبا محمد، إن أمير المؤمنين أرسل إليك يقول: إنا قد شغلناك عن التجارة، ولك ذوو رحم أهل حاجة، ففرق هذا المال فيهم، واستعن به على عيالك، فقال عبد الله بن الأرقم: ما لي إليه حاجة، وما عملت لان يثيبني عثمان، والله إن كان هذا من بيت مال المسلمين ما بلغ قدر عملي أن أعطى ثلاثمائة ألف، ولئن كان من مال عثمان ما أحب أن أرزأه (2) من ماله شيئا. وما في هذه الأمور أوضح من أن يشار إليه وينبه عليه.
فأما قوله: ولو صح أنه أعطاهم من بيت المال لجاز أن يكون ذلك على طريق القرض، فليس بشئ، لان الروايات أولا تخالف ما ذكره، وقد كان يجب لما نقم عليه وجوه الصحابة إعطاء أقاربه من بيت المال، أن يقول لهم: هذا على سبيل القرض، وأنا أرد عوضه، ولا يقول ما تقدم ذكره، من أنني أصل به رحمي، على أنه ليس للامام أن يقترض (3) من بيت مال المسلمين إلا ما ينصرف في مصلحة لهم مهمة، يعود عليهم نفعها، أو في سد خلة وفاقة لا يتمكنون من القيام بالامر معها، فأما أن يقرض المال ليتسع به،