جزء أحاديث الشعر - عبد الغني المقدسي - الصفحة ١١
فيه قرآن ولا تسبيح ولا غيره، فأما ما كان في جوفه القرآن والشعر مع ذلك فليس ممن امتلأ جوفه شعرا، فهو خارج من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم)، فهو يحدد مفهوم الامتلاء الذي يستوجب الكراهة بأن يكون الشعر هاجس المرء فقط ولا شيء غيره، فيذهل عما سواه مما لا تقوم حياة المسلم إلا به، وقد أوضح ذلك وشرحه الإمام النووي عندما قال: (المراد أن يكون الشعر غالبا عليه مستوليا عليه بحيث يشغله عن القرآن وغيره من العلوم الشرعية وذكر الله تعالى، وهذا مذموم من أي شعر كان، فأما إذا كان القرآن والحديث وغيرهما، من العلوم الشرعية هو الغالب عليه فلا يضر حفظ اليسير من الشعر مع هذا، لان جوفه ليس ممتلئا شعرا، والله أعلم، واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على كراهة الشعر مطلقا قليله وكثيره، وإن كان لا فحش فيه، وتعلق بقوله صلى الله عليه وسلم: " خذوا الشيطان " وقال العلماء كافة: هو مباح ما لم يكن فيه فحش ونحوه. قالوا: وهو كلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح. وهذا هو الصواب، فقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم العشر، واستنشده، وأمر به حسان في هجاء المشركين، وأنشد أصحابه بحضرته في الاسفار وغيرها، وأنشده الخلفاء وأئمة الصحابة وفضلاء السلف، ولم ينكره أحد منهم على إطلاقه، وإنما أنكروا المذموم منه وهو الفحش ونحوه، وأما تسمية هذا الرجل الذي سمعه ينشد شيطانا فلعله كان كافرا، أو كان الشعر هو الغالب عليه، أو كان شعره هذا من المذموم، وبالجملة فتسميته شيطانا إنما هو قضية عين تتطرق إليها الاحتمالات المذكورة وغيرها، ولا عموم لها، فلا يحتج بها، والله أعلم).
(١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 ... » »»
الفهرست