الاستذكار - ابن عبد البر - ج ١ - الصفحة ٢٦٣
ومن حجتهم أن كل من صب عليه الماء فقد اغتسل لقول العرب غمستني السماء قال أبو عمر أمر الله تعالى المتوضئ بغسل جسده كله وبين ذلك رسول الله باغتساله ونقلت كافة العلماء مثل ما تواترت به أخبار الآحاد العدول بأن فعل رسول الله في غسله وجهه ويديه في وضوئه كان بإمرار كفيه على وجهه ويديه إلى مرفقيه وأن غسله من الجنابة كان بعد وضوئه بإفاضة الماء على جلده كله ولم يذكروا تدلكا ولا عركا بيديه وأمر رسول الله بغسل النجاسات من الثياب فمرة قال لأسماء في دم الحيض اقرصيه واعركيه (1) ومرة أمر في بول الغلام بأن يصب عليه الماء وأن يتبع لبول الماء دون عرك ولا مرور بيد (2) فدل هذا كله على أن الغسل في لسان العرب يكون مرة بالعرك ومرة بالصب والإفاضة كل ذلك يسمى غسلا في اللغة العربية وقد حكي عن بعض العرب غسلتني السماء يعني بما انصب عليه من الماء وإذا كان هذا على ما وصفنا فغير نكير أن يكون الله تعبد عباده في الوضوء بأن يمروا بالماء أكفهم على وجوههم وأيديهم إلى المرافق ويكون ذلك غسلا وأن يفيضوا الماء على أنفسهم في غسل الجنابة والحيض ويكون ذلك غسلا موافقا للسنة غير خارج من اللغة وأن يكون كل واحد من الأمرين أصلا في نفسه لا يجب رد أحدهما إلى صاحبه لأن الأصول لا يرد بعضها إلى بعض قياسا وهذا ما لا خلاف بين الأمة فيه وإنما ترد الفروع قياسا على الأصول وبالله التوفيق وقد وصفت عائشة وميمونة غسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم من الجنابة - ولم تذكرا تدلكا وكذلك الحديث الذي ذكر عن عمر بن الخطاب قوله ثم أفض الماء على جلدك ولم يذكر تدلكا وذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن زيد بن أسلم قال سمعت علي بن الحسين يقول ما مس الماء منك وأنت جنب فقد طهر ذلك المكان
(٢٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 ... » »»