عمدة القاري - العيني - ج ٢١ - الصفحة ٢٩٥
يخبرونه عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء.
مطابقة هذا الحديث ابن عباس الذي قبله ظاهرة لأن في ذاك ذم المخيلة، وفي هذا جر الثوب خيلاء، وهو أيضا من المخيلة. وحديث ابن عباس أيضا مطابق للحديث الذي قبله من هذه الحيثية، وهو أيضا مطابق للآية المذكورة على ما لا يخفى.
والحديث أخرجه مسلم في اللباس أيضا عن يحيى بن يحيى. وأخرجه الترمذي فيه عن قتيبة بن سعيد وغيره.
قوله: (يخبرونه) أي: هؤلاء الثلاثة: نافع وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم، يخبرون مالكا عن ابن عمر رضي الله عنهما قوله: (من جر ثوبه) يدخل فيه الإزار والرداء والقميص والسراويل والجبة والقباء وغير ذلك مما يسمى ثوبا، بل ورد في الحديث دخول العمامة في ذلك كما رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة من رواية سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الإسبال في الإزار والقميص والعمامة من جر منها شيئا خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة. قوله: (لا ينظر الله) نفي نظر الله تعالى هنا كناية عن نفي الرحمة، فعبر عن المعنى الكائن عند النظر بالنظر لأن من نظر إلى متواضع رحمه، ومن نظر إلى متكبر متجبر مقته، فالنظر إليه في تلك الحالة اقتضى الرحمة أو المقت. قوله: (خيلاء) بالضم والكسر وهو الكبر والعجب، يقال: اختال فهو مختال، وانتصابه على الحال بالتأويل.
2 ((باب من جر إزاره من غير خيلاء)) أي: هذا باب في بيان حكم من جر إزاره من غير قصد التخييل، فإنه لا بأس به من غير كراهة، وكذلك يجوز لدفع ضرر يحصل له، كأن يكون تحت كعبيه جراح أو حكة أو نحو ذلك، إن لم يغطها تؤذيه الهوام كالذباب ونحوه بالجلوس عليها، ولا يجد ما يسترها به إلا إزاره أو ردائه أو قميصه، وهذا كما يجوز كشف العورة للتداوي وغير ذلك من الأسباب المبيحة للترخص. وقال شيخنا زين الدين: وأما جوازه لغير ضرورة لا لقصد الخيلاء، فقال النووي: إنه مكروه وليس بحرام، وحكي عن نص الشافعي، رضي الله عنه التفرقة بين وجود الخيلاء وعدمه، وهذه الترجمة سقطت لابن بطال رحمه الله.
5784 حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا موسى بن عقبة عن سالم بن عبد الله عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله! إن أحد شقي إزاري يسترخي، إلا أن أتعاهد ذالك منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم لست ممن يصنعه خيلاء.
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: (وقال أبو بكر، رضي الله عنه) الخ... وأحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس اليربوعي الكوفي، وهو شيخ مسلم أيضا، وزهير مصغر زهر بن معاوية أبو خيثمة، وسالم هو ابن عبد الله بن عمر، يروي عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم والحديث مضى في فضائل أبي بكر رضي الله عنه فإنه أخرجه هناك عن محمد بن مقاتل عن عبد الله عن موسى بن عقبة إلى آخره.
قوله: (إن أحد شقي إزاري) كذا بالتثنية في رواية النسفي والكشميهني وفي رواية غيرهما شق بالإفراد، والشق بكسر الشين المعجمة الجانب ويطلق أيضا على النصف. قوله: (يسترخي) بالخاء المعجمة، وسبب استرخائه كون أبي بكر رجلا أحنى نحيفا لا يستمسك، فإزاره يسترخي عن حقويه. وقال الكرماني: يصح أحنى بالحاء المهملة والجيم، يقال: رجل أحنى الظهر بالمهملة ناقصا أي في ظهره أحد يداب، ورجل أجنأ، بالجيم مهموزا أي: أحدب الظهر، ثم إن الاسترخاء يحتمل أن يكون من طرف القدام نظرا إلى الإحديداب، وأن يكون من اليمين أو الشمال نظرا إلى النحافة، إذ الغالب أن النحيف لا يستمسك إزاره على السوء. قوله: (إلا أن أتعاهد ذلك منه) الاستثناء من قوله (يسترخي) يعني يسترخي إلا عند التعاهد بذلك، وحين غفلت عنه يسترخي. قوله: (لست ممن يصنعه) أي: لست أنت يا أبا بكر ممن يصنع جر الإزار خيلاء، وفي رواية زيد بن أسلم: لست منهم، وفيه أنه لا حرج على من يجر إزاره بغير قصد كما ذكرناه. فإن قلت: روى ابن أبي شيبة عن ابن عمر أنه كان يكره جر الإزار على كل حال. قلت: قال ابن بطال: هو من تشديداته وإلا فقد روى هو حديث الباب فلم يخف عليه الحكم.
(٢٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 ... » »»