عمدة القاري - العيني - ج ٢٠ - الصفحة ٧٨
، وقال ابن بطال: أجمع العلماء أنه يجوز للآباء تزويج الصغار من بناتهم وإن كن في المهد، إلا أنه لا يجوز لأزواجهن البناء بهن إلا إذا صلحن للوطء واحتملن الرجال، وأحوالهن في ذلك مختلف في قدر خلقهن وطاقتهن، واختلف العلماء في تزويج غير الآباء اليتيمة، فقال ابن أبي ليلى ومالك والليث والثوري والشافعي وابن الماجشون وأبو ثور: ليس لغير الأب أن يزوج اليتيمة الصغيرة، فإن فعل فالنكاح باطل، وحكى ابن المنذر عن مالك أنه قال يزوج القاضي الصغيرة دون الأولياء ووصي الأب والجد عند الشافعي عند عدم الأب كلأب، وقالت طائفة: إذا زوج الصغيرة غير الأب من الأولياء فلها الخيار إذا بلغت، يروي هذا عن عطاء والحسن وطاووس. وهو قول الأوزاعي وأبي حنيفة ومحمد، إلا أنهما جعلا الجد كالأب لا خيار في تزويجه. وقال أبو يوسف: لا خيار لها في جميع الأولياء. وقال أحمد: لا أرى للولي ولا للقاضي أن يزوج اليتيمة حتى تبلغ تسع سنين، فإذا بلغت ورضيت فلا خيار لها.
21 ((باب إلى من ينكح؟ وأي النساء خير؟ وما يتحب أن يتخير لنطفه من غير إيجاب)) أي: هذا باب في بيان من إذا أراد أن يتزوج ينتهي أمره إلى من يتزوج من النساء، أو إلى من يعقد، وقد ذكرنا أن النكاح يأتي بمعنى التزويج وبمعنى العقد، وقد اشتملت هذه الترجمة بن علي ثلاثة أنواع، وحديث الباب واحد. الأول: قوله: (إلى من ينكح) والثاني: قوله: (وأي النساء خير) و الثالث: وما يستحب أن يتخير لنطفه. ومن الحديث تؤخذ المطابقة للأول والثاني ظاهرا أو الثالث لا تؤخذ إلا بطريق اللزوم، بيانه أن الذي يريد النكاح ينبغي أن يتزوج من قريش لأن نساءهن خير النساء، وهذا نوعان ظاهر إن في المطابقة، وأما النوع الثالث فهو أنه لما ثبت أن نساء قريش خير النساء، وأن الذي تزوج منهن قد تخير لنطفه لأجل أولاده، وهذا لا يفهم من الحديث صريحا، ولكن بطريق اللزوم، بن علي أنا نقول: يحتمل أنه أشار إلى حديث أخرجه ابن ماجة من حديث عائشة مرفوعا: تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء، وأخرجه الحاكم أيضا وصححه. فإن قلت: كيف يكون نساء قريش أفضل من مريم أم عيسى، عليهما السلام، ولا سيما بن علي قول من يقول: إنها نبيه؟ قلت: أجاب بعضهم بأن في الحديث: خير نساء ركبن الإبل، ومريم، عليها السلام، ولم تركب بعيررا. قلت: هذا جواب لا يجدى. وقد أطنب هذا القائل هنا وكله غير كاف، ويمكن أن يجاب عن هذا بأنه صلى الله عليه وسلم قيد بقوله: صالحو نساء قريش، ومريم عليها السلام، ليست من قريش، وقال النووي: معنى خير أي: من خير، كما يقال: أحسنهم كذا، أي: من أحسنهم أي: أحسن من هنالك، وقد يقال: إن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: خير نساء ركبن الإبل صالحو نساء قريش، يعني في زمانهن. قوله: (من غير إيجاب) أراد به أن الذي ذكره في هذه الترجمة من الأنواع الثلاثة ليس من باب الإيجاب، بل هو من باب الاستحباب.
2805 حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: خير نساء ركبن الإبل صالحو نساء قريش: أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده.
(انظر الحديث 4343 وطرفه).
قد مر بيان وجه المطابقة الآن، وهذا الإسناد بعين هؤلاء الرواة قد مر غير مرة.
وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة، وأبو الزناد، بالزاي والنون: عبد الله بن ذكوان، والأعرج عبد الرحمن بن هرمز.
والحديث مر في أحاديث الأنبياء في باب قوله تعالى: * (إذ قالت الملائكة يا مريم) * (آل عمران: 24 و 54) بأتم منه، ومر الكلام فيه هناك.
قوله: (صالحو) أصله: صالحون، سقطت النون للإضافة ويروى: صالح نساء قريش، بالإفراد، ويروى: صلح نساء قريش، بضم الصاد وتشديد اللام، جمع: صالح، وهو رواية الكشميهني والمراد بالإصلاح هنا صلاح الدين وصلاح المخالطة للزوج وغيره. قوله: (أحناه) من الحنو وهو الشفقة، والحانية هي التي تقوم بن علي ولدها بعد يتمه فلا تتزوج، فإن تزوجت فليست بحانية، وكان القياس أن يقال: أحناهن، وأن يقال: صالحة نساء قريش، ولكن ذكره باعتبار لفظ الخبر أو باعتبار الشخص أو هو من باب ذي كذا، وأما الإفراد فهو بالنظر
(٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»