عمدة القاري - العيني - ج ٢٠ - الصفحة ٢٧٤
أي: حال كونهن مهاجرات من دار الكفر إلى دار الإسلام. قوله تعالى: * (فامتحنوهن) * (الممتحنة: 01) أي: فابتلوهن بالحلف والنظر في الأمارات ليغلب بن علي ظنونكم صدق إيمانهن. وعن ابن عباس: معنى امتحانهن أن يستحلفن ما خرجن من بغض زوج، وما خرجن رغبة من أرض إلى أرض، وما خرجن لالتماس دنيا، وما خرجن إلا حبا لله ورسوله. قوله: (الله أعلم بإيمانهن) يعني: أعلم منكم لأنكم لا تكسبون فيه علما تطمئن معه نفوسكم وإن استحلفتموهن. وعند الله حقيقة العلم به، فإن علمتموهن مؤمنات العلم الذي تبلغه طاقتكم، وهو الظن الغالب بالحلف وظهور الأمارات، فلا ترجعوهن إلى الكفار يعني: لا تردوهن إلى أزواجهن الكفار، لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن لأنه أي: لا حل بين المؤمنة والمشرك، وآتوهم ما أنفقوا مثل ما دفعوا إليهن من المهر. ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن أي: مهورهن، وإن كان لهن أزواج كفار في دار الحرب لأنه فرق الإسلام بينهم. قوله: (ولا تمسكوا بعصم الكوافر) (الممتحنة: 01) قال ابن عباس: لا تأخذوا بعقد الكوافر، فمن كانت له امرأة كافرة بمكة فلا يعتدن بها فقد انقطعت عصمتها منه وليست له بامرأة، وإن جاءت امرأة من أهل مكة ولها بها زوج فلا تعتدن به فقد انقطعت عصمته منها، والعصم جمع عصمة وهي ما يعتصم به من عقد. قوله: (واسألوا ما أنفقتم) أي: أسالوا أيها المؤمنون الذين ذهبت أزواجهم فلحقن بالمشركين ما أنفقتم عليهن من الصداق من يزوجهن منهم. قوله: (وليسألوا) يعني المشركين الذين لحقت أزواجهم بكم مؤمنات إذا تزوجهن فيكم من يتزوجها منكم ما أنفقوا، أي: أزواجهن المشركون من المهر. قوله: (ذلكم) إشارة إلى جميع ما ذكر في هذه الآية، حكم الله يحكم بينكم كلام مستأنف، وقيل: حال من حكم الله بن علي حذف الضمير أي: يحكمه الله بينكم والله عليم بجميع أحوالكم، حكيم يضع الأشياء في محلها، وإنما فسرت هذه الآية بكمالها لأنه قال: (فامتحنوهن..) الآية. قوله: (قالت عائشة) موصول بالإسناد المذكور. قوله: (فمن أقر بهذا الشرط) وهو أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين. قوله: (فقد أقر بالمحنة) أي: بالامتحان، وقال الكرماني: ما المراد بالإقرار بالمحنة؟ فأجاب بقوله: من أقر بعدم الإشراك ونحوه فقد أقر بوقوع المحنة ولم يحوجه في وقوعها إلى المبايعة باليد ونحوها، ولهذا جاء في بقية الرواية: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التزمن هذه الأمور كان يقول: انطلقن، يعني: فقد حصل الامتحان. قوله: (انطلقن فقد بايعتكن) بينت هذا بعد ذلك بقولها في آخر الحديث: فقد بايعتكن كلاما، أي: بقوله، ووقع في رواية عقيل: كلاما ما يكلمها به ولا يبايع بضرب اليد بن علي اليد كما كان يبايع الرجال، وأوضحت ذلك بقولها: لا والله ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم... إلى آخره. وفي رواية عقيل في المبايعة: غير أنه بايعهن بالكلام.
12 ((باب قول الله تعالى: * ((2) للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر) * إلى قوله: * ((2) سميع عليم) * (البقرة: 622 722)) وفي رواية كريمة من لفظ: باب إلى (سميع عليم) وفي رواية الأكثرين إلى قوله: (تربص أربعة أشهر) وفي بعض النسخ: باب الإيلاء وقوله تعالى: * (للذين يؤلون) * الآية. الإيلاء في اللغة الحلف، يقال: آلى يولي إيلاء: حلف قوله: (تربص أربعة أشهر) مبتدأ وقوله: (للذين يؤلون) خبره أي: للذين يحلفون بن علي ترك الجماع من نسائهم تربص أي: انتظار (أربعة أشهر) من حين الحلف ثم يوقف ويطالب بالفيئة أو الطلاق، ولهذا قال: (فإن فاؤا) أي رجعوا (إلى ما كانوا عليه) وهو كناية عن الجماع، قاله ابن عباس ومسروق والشعبي وسعيد بن جبير وغير واحد، منهم ابن جرير * (فإن الله غفور رحيم) * (البقرة: 622) أي: لما سلف من التقصير في حقهن بسبب اليمين، وفي قوله تعالى: * (فإن فاؤا فإن الله غفور رحيم) * (البقرة: 622) دلالة لأحد قولي العلماء، وهو القول القديم للشافعي: إن المولي إذا فاء بعد الأربعة أشهر أنه لا كفارة عليه، وفي التفسير: فإن فاؤا أي: في الأشهر، بدليل قراءة عبد الله فإن فاؤا فيهن.
واعلم أن الكلام ههنا في مواضع.
الأول: الإيلاء المذكور في قوله: * (للذين يؤلون) * ما هو؟ هو الحلف بن علي ترك قربان امرأته أي: وطئها أربعة أشهر وأكثر منها، كقوله لامرأته: والله لا أقربك أربعة أشهر، أو: لا أقربك، وهو قول الثوري وأبي حنيفة وأصحابه، ويروى عن عطاء، قال ابن المنذر: أكثر أهل العلم قالوا: لا يكون الإيلاء أقل من أربعة أشهر، قال ابن عباس: كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنتين وأكثر، فوقت لهم أربعة أشهر، فمن كان إيلاؤه أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء قالت طائفة: إذا حلف لا يقرب امرأته يوما أو أقل أو أكثر ثم لم يطأها أربعة أشهر بانت منه بالايلاء، روي هذا عن ابن مسعود
(٢٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 ... » »»