عمدة القاري - العيني - ج ٢٠ - الصفحة ٢٦٣
أبو عمر: جميلة بنت أبي بن سلول امرأة ثابت بن قيس التي خالعته وردت عليه حديقته، هكذا روى البصريون، وخالفهم أهل المدينة فقالوا: إنها حبيبة بنت سهل الأنصاري، قال: وكانت جميلة قبل ثابت بن قيس تحت حنظلة بن أبي عامر الغسيل، ثم تزوجها بعده ثابت بن قيس بن مالك بن دخشم ثم تزوجها بعده حبيب بن أساف الأنصاري.
وقال شيخنا زين الدين، رحمه الله تعالى: اختلفت طرق الحديث في اسم امرأة ثابت بن قيس التي خالعها، ففي أكثر طرقه أن اسمها: حبيبة بنت سهل، هكذا عند مالك في (الموطأ) من حديثها ومن طريقه رواه أبو داود والنسائي، وكذا في حديث عائشة عند أبي داود، وكذا في حديث عبد الله بن عمر، وعند ابن ماجة بإسناد صحيح عن ابن عباس: إنها جميلة بنت سلول، وسلول هي أمها، ويقال: اختلف في سلول: هل هي أم أبي أو امرأته، ووقع في رواية النسائي والطبراني من حديث الربيع بنت معوذ: جميلة بنت عبد الله بن أبي، وبذلك جزم ابن سعد في (الطبقات) فقال: جميلة بنت عبد الله بن أبي، ووقع في رواية البخاري عن عكرمة: أخت عبد الله بن أبي، وهو كبير الخزرج ورأس النفاق، وقع عند النسائي وابن ماجة بإسناد جيد من حديث الربيع بنت معوذ أن اسمها: مريم المغالية، وعند الدارقطني والبيهقي من رواية أبي الزبير: أن ثابت بن قيس كانت عنده زينب بنت عبد الله بن أبي بن سلول. قال الشيخ: وأصح طرقه حديث حبيبة بنت سهل بن علي أنه يجوز أن يكون الخلع قد تعدد غير مرة من ثابت بن قيس لهذه فإن في بعض طرقه: أصدقها حديقة، وفي بعضها: حديقتين، ولا مانع أن يكون واقعتين فأكثر. وقد صح كونها حبيبة وصح كونها جميلة، وصح كونها مريم، وأما تسميتها زينب فلم يصح قلت: لم يذكر أبو عمر مريم وذكرها الذهبي، وقال: مريم الأنصارية المغالية من بني مغالة امرأة ثابت بن قيس، لها ذكر في حديث الربيع انتهى. وثابت بن قيس بن شماس بن مالك بن امرئ القيس الخزرجي، وكان خطيب الأنصار، ويقال: خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما يقال لحسان بن ثابت: شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد أحدا وما بعدها من المشاهد وقتل يوم اليمامة شهيدا في خلافة أبي بكر، رضي الله تعالى عنه.
قوله: (وما أعتب)، بضم التاء المثناة من فوق وكسرها من عتب عليه إذا وجد عليه يقال: عتب بن علي فلان أعتب عتبا والاسم المعتبة، والعتاب هو الخطاب بإدلال، ويروى: وما أعيب، بالياء آخر الحروف من العيب أي: لا أغضب عليه، ولا أريد مفارقته لسوء خلقه ولا لنقصان دينه، ولكن أكرهه طبعا فأخاف بن علي نفسي في الإسلام ما ينافي مقتضى الإسلام باسم ما ينافي في نفس الإسلام، وهو الكفر، ويحتمل أن يكون من باب الإضمار أي: لكني أكره لوازم الكفر من المعاداة والنفاق والخصومة ونحوها، وجاء في رواية جرير بن حازم إلا أني أخاف الكفر، قيل: كأنها أشارت إلى أنها قد تحملها شدة كراهتها بن علي إظهار الكفر لينفسخ نكاحها منه، وهي تعرف أن ذلك حرام، لكن خشيت أن يحملها شدة البغض بن علي الوقوع فيه. وقيل: يحتمل أن يريد بالكفر كفران العشير إذ هو تقصير المرأة في حق الزوج، وجاء في رواية ابن جرير: والله ما كرهت منه خلقا ولا ذنبا إلا أني كرهت دمامته، وفي رواية أخرى له قالت: يا رسول الله! لا يجمع رأسي ورأسه شيئا أبدا إني رفعت جانب الحياء فرأيته أقبل في عدة فإذا هو أشدهم سوادا وأقصرهم قامة وأقبحهم وجها... الحديث، وفي رواية ابن ماجة: كان رجلا دميما، فقالت: يا رسول الله! والله لولا مخافة الله إذا دخل علي بصقت في وجهه وعن عبد الرزاق عن معمر، قال: بلغني أنها قالت: يا رسول الله! وبي من الجمال ما ترى وثابت رجل دميم فإن قلت: جاء في رواية النسائي: أنه كسر يدها فكيف تقول لا أعتب... الخ؟ قلت: أردت أنه سئ الخلق لكنها ما تعيبته بذلك، ولكن تعييبها إياه كان بالوجوه التي ذكرناها. قوله: (حديقته)، أي: بستانه الذي أعطاها. قوله: (وطلقها) الأمر فيه للإرشاد والاستصلاح لا للإيجاب والإلزام، ووقع في رواية جرير بن حازم: فردت عليه فأمره ففارقها.
قال أبو عبد الله: لا يتابع فيه عن ابن عباس، رضي الله عنهما أبو عبد الله هو البخاري نفسه أي: لا يتابع أزهر بن جميل بن علي ذكر ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، في هذا الحديث بل أرسله غيره، ومراده بذلك خصوص طريق خالد الحذاء عن عكرمة، ولهذا عقبه برواية خالد بن علي ما يأتي الآن.
(٢٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 ... » »»