عمدة القاري - العيني - ج ٢٠ - الصفحة ٢٠٥
بين المرأة الأخرى وزوجها البغضاء فيصير كالسحر الذي يفرق بين المرء وزوجه. قوله: (بما لم يعط) بن علي صيغة المجهول، وفي رواية معمر: بما لم يعطه، وفي الترجمة: بما لم ينل، وقال ابن الأثير: المتشبع بما لا يملك، والكل متقارب في المعنى.
701 ((باب الغيرة)) أي: هذا باب في بيان الغيرة، بفتح الغين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الراء. قال صاحب (المحكم): من غار الرجل بن علي امرأته والمرأة بن علي بعلها يغار غيرة وغيرا وغارا وغيارا ورجل غيران، والجمع: غيارى وغيارى ورجل غيور والجمع غير بضم الياء، ومن قرأ رسل قال: غير، ويقال: امرأة غيرى وغيور والجمع كالجمع، والمغيار شديد الغيرة، وفلان لا يتغير بن علي أهله أي لا يغار. وقال الجوهري نحوه إلا أنه لم يقل في المصادر غيارا وزاد بعد قوله: ورجل مغيار وقوم مغايير، وزاد صاحب (المشارق) في اسم الفاعل منه رجل غائر، وقال: معنى الغيرة تغير القلب وهيجان الغضب بسبب المشاركة في الاختصاص من أحد الزوجين بالآخر وتحريمه وذبه عنه، وقال صاحب (النهاية) الغيرة هي الحمية والأنفة. وقال عياض: الغيرة مشتقة من تغير القلب وهيجان الغضب بسبب المشاركة فيما به الاختصاص، وأشد ما يكون ذلك بين الزوجين، هذا محله في حق الآدمي، وأما في حق الله تعالى فيأتي عن قريب في حديث الباب.
وقال وراد عن المغيرة: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه! والله أغير مني.
مطابقته للترجمة ظاهرة. ووراد، بفتح الواو والراء المشددة وبالدال المهملة: اسم لمولى المغيرة بن شعبة وكاتبه، وسعد بن عبادة، بضم العين المهملة وتخفيف الباب الموحدة: ابن دليم الخزرجي الساعدي نقيب بني ساعدة قيل: شهد بدرا ونزل الشام فأقام بحوران إلى أن مات سنة خمس عشرة، وقيل: قبره بالمنيحة، فرية من قرى غوطة دمشق.
ووصل البخاري هذا المعلق الذي ذكره هنا مختصرا في كتاب الحدود: عن موسى بن إسماعيل عن أبي عوانة عن عبد الملك بن عمير عن داود. وأخرجه مسلم من حديث سليمان بن بلال عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة.
قوله: (غير مصفح) بضم الميم وسكون الصاد المهملة وفتح الفاء وكسرها أي: غير ضارب بعرضه بل بحده، تأكيدا لبيان ضربه به لقتله. قال عياض: فمن فتحه جعله وصفا للسيف وحالا منه، ومن كسره جعله وصفا للضارب وحالا منه. يقال: أصفحت بالسيف فأنا مصفح والسيف مصفح به إذا ضربت بعرضه، وقال ابن قتيبة: أصفحت بالسيف إذا ضربت بعرضه، وقال ابن التين: مصفح، بتشديد الفاء في سائر الأمهات، وللسيف صفحتان وهما وجهاه العريضان، وله حدان، فالذي يضرب بالحد يقصد القتل، والذي يضرف بالصفح يقصد التأديب. ووقع في رواية مسلم: غير مصفح عنه، قال بعضهم: هذه يترجح فيها كسر الفاء ويجوز الفتح أيضا بن علي البناء للمجهول. قلت: قوله: بن علي البناء للمجهول غلط فاحش، والصواب أن يقال: بن علي البناء للمفعول، وقد يفرق بينهما من له أدنى مسكة من علم التصريف. قوله: (أتعجبون)؟ الهمزة فيه للاستفهام يجوز أن يكون بن علي سبيل الاستخبار، ويجوز أن يكون بن علي سبيل الانكار، يعني: لا تعجبوا من غيرة سعد وأنا أغير منه، أي من سعد، واللام في قوله: (لأنا) للتأكيد، وأكده باللام وبالجملة الإسمية. قوله: (والله أغير مني) قد ذكرنا الآن معنى غيرة العبد، وأما معنى غيرة الله تعالى فالزجر عن الفواحش والتحريم لها والمنع منها، لأن الغيور هو الذي يزجر عما يغار عليه، وقد بين ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: ومن غيرته حرم الفواحش، أي: زجر عنها ومنع منها. وقال صلى الله عليه وسلم: غيرة الله أن لا يأتي المؤمن ما حرم الله عليه.
ومعنى الحديث سعد: أنا أزجر عن المحارم منه، والله أزجر مني واستدل ابن المواز من المالكية بحديث سعد هذا أنه إن وقع ذلك ذهب دم المقتول هدرا، وسيأتي الكلام فيه في: باب الحدود. وقيل: الغيرة محمودة ومذمومة، وقد جاءت التفرقة بينهما في حديث جابر بن عتيك وعقبة بن عامر، فحديث جابر بن عتبيك رواه أحمد في (مسنده)، وأبو داود والنسائي وابن حبان في (صحيحه) من رواية يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم عن ابن جابر بن عتيك الأنصاري عن جابر بن عتيك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من الغيرة ما يحبه الله، ومنها ما يبغضه
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»