عمدة القاري - العيني - ج ١٤ - الصفحة ٢٨
عن نافع، كما رواه مالك. ورواه يونس بن يزيد عن نافع أيضا كذلك، وكذا رواه ابن وهب عن عمرو بن الحارث عن سالم ابن عبد الله عن أبيه. ورواه مسلم من حديث عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: (ما حق امرئ مسلم له شيء يريد أن يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده)، ورواه من حديث ابن شهاب عن سالم عن أبيه أنه سمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم قال: (ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ثلاث ليال إلا ووصيته عنده مكتوبة).
وأخرجه الترمذي من حديث أيوب عن نافع عن ابن عمر، قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله ما يوصي فيه إلا ووصيته عنده مكتوبة)، وأخرجه النسائي عن محمد بن سلمة عن أبي القاسم عن مالك به. وأخرجه ابن ماجة من حديث عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر نحو رواية مسلم.
ذكر معناه: قوله: (ما حق امرئ مسلم) كلمة: ما، بمعنى: ليس، هكذا وقع في أكثر الروايات بلفظ مسلم، وليست هذه اللفظة في رواية أحمد عن إسحاق بن عيسى عن مالك، والوصف بالمسلم هنا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، وذكر للتهييج لتقع المبادرة لامتثاله لما يشعر به من نفي الإسلام عن تارك ذلك، وعن قريب نحرر ذلك. قوله: (له شيء). جملة وقعت صفة. لامرىء. قوله: (يوصي فيه) جملة فعلية وقعت صفة لقوله: شيء. قوله: (يبيت ليلتين)، جملة فعلية وقعت صفة أخرى لامرىء، وقال بعضهم: يبيت، كان فيه حذفا، تقديره: أن يبيت، وهو كقوله: * (ومن آياته يريكم البرق) * (الروم: 42). انتهى. قلت: وهذا قياس فاسد وفيه تغيير المعنى أيضا، وإنما قدر أن في قوله: يريكم، لأنه في موضع الابتداء، لأن قوله: ومن آياته، في موضع الخبر، والفعل لا يقع مبتدأ فيقدر: أن، فيه حتى يكون في معنى المصدر فيصح حينئذ وقوعه مبتدأ، فمن له ذوق من العربية يفهم هذا ويعلم تغيير المعنى فيما قال. قوله: (إلا ووصيته)، مستثنى، وهو خبر: ليس، والواو فيه للحال. وقال صاحب (المظهر): قيد ليلتين تأكيد وليس بتحديد، يعني لا ينبغي له أن يمضي عليه زمان وإن كان قليلا إلا ووصيته مكتوبة، وقال الطيبي: في تخصيص ليلتين تسامح في إرادة المبالغة، أي: لا ينبغي أن يبيت ليلة، وقد سامحناه في هذا المقدار، فلا ينبغي أن يتجاوز عنه. وقال النووي في (شرح مسلم): وفي رواية: ثلاث ليال. قلت: هو رواية مسلم والنسائي من طريق الزهري عن سالم عن أبيه: يبيت ثلاث ليال، والحاصل أن ذكر الليلتين أو الثلاث لرفع الحرج لتزاحم أشغال المرء التي يحتاج إلى ذكرها، ففسح له هذا المقدار ليتذكر ما يحتاج إليه، واعلم أن لفظ مالك في هذا الحديث لم تختلف الرواة فيه عنه، وفي رواية أحمد عن سفيان عن أيوب بلفظ: (حق على كل مسلم أن لا يبيت ليلتين وله ما يوصي فيه..) الحديث ورواه الشافعي، رحمه الله، عن سفيان بلفظ: ((ما حق امرئ يؤمن بالوصية...) الحديث، قال ابن عبد البر: فسره ابن عيينة: أي يؤمن بأنها حق. وأخرجه أبو عوانة من طريق هشام بن الغاز عن نافع بلفظ: (لا ينبغي لمسلم أن يبيت ليلتين...) الحديث، وأخرجه الإسماعيلي من طريق روح بن عبادة عن مالك وابن عون جميعا عن نافع بلفظ: (ما حق امرئ مسلم له مال يريد أن يوصي فيه...) وذكره ابن عبد البر من طريق ابن عوف بلفظ: (لا يحل لامرىء مسلم له مال) وأخرجه الطحاوي أيضا، والله أعلم.
ذكر ما يستفاد منه: فيه: حث على الوصية، واحتجت به الظاهرية أنها واجبة، وقال الزهري: جعل الله الوصية حقا مما قل أو كثر، قيل لأبي مجلز: على كل مثر وصية؟ قال: كل من ترك خيرا، وقال ابن حزم: وروينا من طريق عبد الرزاق عن الحسن بن عبد الله، قال: كان طلحة بن عبيد الله والزبير يشددان في الوصية، وهو قول عبد الله بن أبي أوفى وطلحة بن مصرف والشعبي وطاووس وغيرهم. قال: وهو قول أبي سليمان وجميع أصحابنا، وقالت: طائفة ليست الوصية بواجبة. كان الموصى موسرا أو فقيرا، وهو قول النخعي والشعبي والثوري ومالك والشافعي، وقال ابن العربي: أما السلف الأول فلا نعلم أحدا قال بوجوبها. وقال النخعي والشعبي: الوصية للوالدين والأقربين على الندب، وقال الضحاك وطاووس: الوصية للوالدين والأقربين واجبة بنص القرآن إذا كانوا لا يرثون: وقال طاووس: من أوصى لأجانب وله أقرباء انتزعت الوصية فردت للأقرباء. وقال الضحاك: من مات وله شيء ولم يوص لأقربائه فقد مات عن معصية لله، عز وجل، وقال الحسن وجابر بن زيد وعبد الملك بن يعلى، فيما ذكره الطبري: إذا أوصى رجل لقوم غرباء بثلثه وله أقرباء، أعطي الغرباء ثلث المال
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»