عمدة القاري - العيني - ج ١٤ - الصفحة ١٢٨
رواية واحدة، وهو قول أكثر أهل العلم، ولا نعلم فيه خلافا إلا عن الحسن وابن المسيب فإنهما قالا: يغسل الشهيد ولا يعمل به، وأما ما عدا ما ذكرناهم الآن فهم شهداء حكما لا حقيقة، وهذا فضل من الله تعالى لهذه الأمة بأن جعل ما جرى عليهم تمحيصا لذنوبهم وزيادة في أجرهم بلغهم بها درجات الشهداء الحقيقية ومراتبهم، فلهذا يغسلون ويعمل بهم ما يعمل بسائر أموات المسلمين. وفي (التوضيح): الشهداء ثلاثة أقسام: شهيد في الدنيا والآخرة، وهو المقتول في حرب الكفار بسبب من الأسباب، وشهيد في الآخرة دون أحكام الدنيا، وهم من ذكروا آنفا. وشهيد في الدنيا دون الآخرة، وهو من غل في الغنيمة ومن قتل مدبرا أو ما في معناه.
9282 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله.
.
قيل: لا مطابقة بين الحديث والترجمة، لأن الترجمة سبع، وفي الحديث: خمسة، وقال ابن بطال: هذا يدل على أن البخاري مات ولم يهذب كتاب. وأجيب: بأن البخاري أراد التنبيه على أن الشهادة لا تنحصر في القتل بل لها أسباب أخر، وتلك الأسباب اختلف الأحاديث فيها، ففي بعضها: خمسة، وهو الذي صح عند البخاري، ووافق شرطه، وفي بعضها سبع، لكن لم يوافق شرطه فنبه عليه في الترجمة إيذانا بأن الوارد في عددها من الخمسة أو السبعة ليس على معنى التحديد الذي لا يزيد ولا ينقص، بل هو إخبار عن خصوص فيما ذكر، والله أعلم بحصرها. وقال الكرماني: الجواب أن بعض الرواة نسي الباقي وتم كلامه. قلت: وفيه نظر لا يخفى. وقال بعضهم: هذه الترجمة لفظ حديث آخر أخرجه مالك من رواية جابر بن عتيك. قلت: قد ذكرنا حديثه عن قريب، وهذا ليس بجواب يجدي، لأن المطلوب وجود المطابقة بين الترجمة وبين حديث الباب، لا بينها وبين حديث آخر خارج عن الكتاب، والأوجه الأقرب ما ذكرنا بقولنا. وأجيب: بأن البخاري... إلى آخره.
وسمي، بضم السين وفتح الميم وتشديد الياء آخر الحروف: أبو عبد الله، مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة القرشي المدني، وأبو صالح ذكوان الزيات السمان.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الصلاة وفي المرضى عن أبي عاصم. وأخرجه الترمذي في الجنائز عن قتيبة وعن إسحاق بن موسى. وأخرجه النسائي في الطب عن قتيبة.
قوله: (المطعون)، هو: الذي مات في الطاعون، وقال الجوهري: هو الموت من الوباء. قوله: (والمبطون)، أي: العليل بالبطن. قوله: (والغرق)، بفتح الغين المعجمة وكسر الراء، وهو الذي يموت بالغرق، وقيل: هو الذي غلبه الماء ولم يغرق، فإذا غرق فهو غريق. قوله: (وصاحب الهدم)، قال ابن الأثير: الهدم، بالتحريك: البناء المهدوم فعل بمعنى مفعول وبالسكون الفعل نفسه. قوله: (والشهيد في سبيل الله)، وقال الطيبي: يلزم منه حمل الشيء على نفسه، التحديث بصيغة الجمع في لأن قوله: (خمسة) خبر للمبتدأ، أو المعدود بعده بيان له، وأجاب بأنه من باب قول الشاعر:
* أنا أبو النجم وشعري شعري * فافهم...
0382 حدثنا بشر بن محمد قال أخبرنا عبد الله قال أخبرنا عاصم عن حفصة بنت سيرين عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الطاعون شهادة لكل مسلم.
(الحديث 0382 طرفه في: 2375).
مطابقته للترجمة من حيث إن أحد السبعة التي هي الترجمة، واحد الخمسة التي في الحديث السابق. وبشر، بكسر الباء الموحدة: ابن محمد أبو محمد السختياني المروزي، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، وعاصم هو ابن سليمان الأحول، وحفصة بنت سيرين هي أخت محمد بن سيرين.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الطب عن موسى بن إسماعيل. وأخرجه مسلم في الجهاد عن حامد بن عمر.
قوله: (الطاعون)، هو المرض العام والوباء الذي يفسد له الهواء فتفسد به الأمزجة والأبدان، وقيل: الطاعون هو الذي أصابه الطعن، وهو الوجع الغالب الذي ينطفي به الروح، كالذبحة ونحوها، وروى أسامة عن رسول الله،
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»