عمدة القاري - العيني - ج ١٤ - الصفحة ١٢٧
ورجل مؤمن أسرف على نفسه، لقي العدو فصدق الله حتى قتل فذاك في الدرجة الرابعة. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وهذا كما رأيت في ترجمة الباب الشهادة سبع. وفي حديث جابر بن عتيك: سبعة، موافق للترجمة، وفي حديث الباب: خمسة، وفي حديث أنس بن مالك: ثلاثة، وفي حديث عمر بن الخطاب: أربعة.
وجاءت أحاديث أخرى في هذا الباب. منها: في (الصحيح): من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن وقصه فرسه أو لدغته هامة أو مات على فراشه على أي حتف شاء الله فهو شهيد، ومن حبسه السلطان ظالما له أو ضربه فمات فهو شهيد، وكل موتة يموت بها المسلم فهو شهيد. وفي حديث ابن عباس: المرابط يموت في فراشه في سبيل الله فهو شهيد، والشرق شهيد، والذي يفترسه السبع شهيد. وعند ابن أبي عمر، من حديث ابن مسعود، ومن تردى من الجبال شهيد، وقال ابن العربي: وصاحب النظرة وهو المعين والغريب شهيدان، قال: وحديثهما حسن، ولما ذكر الدارقطني حديث ابن عمر: الغريب شهيد، صححه، وروى ابن ماجة من حديث أبي هريرة من مات مريضا مات شهيدا ووقي فتنة القبر، الحديث، وسنده جيد على رأى الحاكم. وروى البزار بسند صحيح عن عبادة بن الصامت، رضي الله تعالى عنه: من عشق وعف وكتم ومات مات شهيدا. وروى النسائي من حديث سويد بن مقرن: من قتل دون مظلمة فهو شهيد، وعند الترمذي، من حديث معقل بن يسار: من قال حين يصبح ثلاث مرات: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم وقرأ ثلاث آيات من آخر سورة الحشر، فإن مات من يومه مات شهيدا، وقال: حديث حسن غريب. وعند الثعلبي من حديث يزيد الرقاشي عن أنس، رضي الله تعالى عنه: (من قرأ آخر سورة الحشر فمات من ليلته مات شهيدا)، وعند الأجري: (يا أنس! إن استطعت أن تكون أبدا على وضوء فافعل، فإن ملك الموت إذا قبض روح العبد وهو على وضوء كتب له شهادة). وعند أبي نعيم عن ابن عمر: (من صلى الضحى وصام ثلاثة أيام من كل شهر ولم يترك الوتر كتب له أجر شهيد). وعن جابر: (من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة أجير من عذاب القبر، وجاء يوم القيامة وعليه طابع الشهداء)، قال أبو نعيم: غريب من حديث جابر. وعند أبي موسى، من حديث عبد الملك بن هارون بن عنبرة عن أبيه عن جده، يرفعه، فذكر حديثا فيه: (والسل شهيد، والغريب شهيد). وفي كتاب (الأفراد والغرائب): للدارقطني، من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (المحموم شهيد). وفي (كتاب العلم) لأبي عمر: عن أبي ذر وأبي هريرة: (إذا جاء الموت طالب العلم وهو على حاله مات شهيدا). وفي (الجهاد) لابن أبي عاصم، من حديث أبي سلام عن ابن معانق الأشعري، عن أبي مالك الأشعري: مرفوعا: (من خرج به خراج في سبيل الله كان عليه طابع الشهداء) وفي (التمهيد): عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن فناء أمتي بالطعن والطاعون) قالت: يا رسول الله! أما الطعن فقد عرفناه، فما الطاعون؟ قال: (غدة كغدة البعير تخرج في المراق والآباط، من مات منها مات شهيدا). وفي ببعض الآثار: (المجنوب شهيد)، يريد صاحب ذات الجنب. وفي الحديث: (إنها نخسة من الشيطان).
وهذا كما رأيت ترتقي الشهداء إلى قريب من أربعين. فإن قلت: كيف التوفيق بين الأحاديث التي فيها العدد المختلف صريحا، والأحاديث الأخر أيضا. قلت: أما ذكر العدد المختلف فليس على معنى التحديد، بل كل واحد من ذلك بحسب الحال وبحسب السؤال وبحسب ما تجدد العلم في ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، على أن التنصيص على العدد المعين لا ينافي الزيادة، ومع هذا: الشهيد الحقيقي هو قتيل المعركة وبه أثر. أو قتله أهل الحرب أو أهل البغي أو قطاع الطريق، سواء كان القتل مباشرة أو تسببا أو قتله المسلمون ظلما ولم يجب بقتله دية، فالحكم فيه أن يكفن ويصلى عليه ولا يغسل ويدفن بدمه وثياب إلا ما ليس من جنس الكفن: كالفرو والحشو والسلاح المعلق عليه، ويزاد وينقص، هذا كله عند أصحابنا الحنفية. وعند الشافعي: من مات في قتال أهل الحرب فهو شهيد، سواء كان به أثر أو لا، ومن قتل ظلما في غير قتال الكفار أو خرج في قتالهم ومات بعد انفصال القتال، وكان بحيث يقطع بموته ففيه قولان: في قول: لم يكن شهيدا، وبه قال مالك وأحمد، وفي (المغنى): إذا مات في المعترك فإنه لا يغسل،
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»