عمدة القاري - العيني - ج ١٣ - الصفحة ٢١٤
يضربوننا على الشهادة، فدل هذا من قول إبراهيم: أن الشهادة المذموم عليها صاحبها هي قول الرجل: أشهد بالله ما كان كذا على كذا، على معنى الحلف، فكره ذلك، وهذه الأقوال أقوال الذين جمعوا بين حديث النعمان وزيد. وأما ابن عبد البر فإنه رجح حديث زيد بن خالد لكونه من رواية أهل المدينة، فقدمه على رواية أهل العراق، وبالغ فيه حتى زعم أن حديث النعمان لا أصل له، ومنهم من رجح حديث عمران، لاتفاق صاحبي (الصحيح) عليه، وانفراد مسلم بإخراج حديث زيد بن خالد، قوله: (وينذرون)، بفتح أوله وبكسر الذال المعجمة وبضمها. قوله: (ولا يفون) من الوفاء، يقال: وفي يفي وأصله، يوفي، حذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة، وأصل: يفون، يوفيون، فلما حذفت الواو ولما ذكرنا استثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى ما قبلها بعد سلب حركة ما قبلها. قوله: (ويظهر فيهم السمن)، بكسر السين المهملة وفتح الميم بعدها نون، معناه: أنهم يحبون التوسع في المآكل والمشارب، وهي أسباب السمن. وقال ابن التين: المراد ذم محبته وتعاطيه لا من يخلق كذلك. وقيل: المراد، يظهر فيهم كثرة المال، وقيل: المراد أنهم يتسمنون أي: يتكثرون بما ليس فيهم، ويدعون ما ليس لهم من الشرف، ويحتمل أن يكون جميع ذلك مرادا، وقد رواه الترمذي من طريق هلال بن يساف عن عمران بن حصين بلفظ: ثم يجيء قوم فيتسمنون ويحبون السمن.
2562 حدثنا محمد بن كثير قال أخبرنا سفيان عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبد الله رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال خير الناس قرنى ثم الذين يلونهم ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته قال إبراهيم وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد.
.
مطابقته للترجمة في قوله: (تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمنه شهادته) لأن فيه معنى الجور، لأن معناه أنهم لا يتورعون في أقوالهم، ويستهينون بالشهادة واليمين، ومنصور هو ابن المعتمر وإبراهيم هو النخعي وعبيدة بفتح العين المهملة وكسر الباء الموحدة: هو السلماني، وعبد الله هو ابن مسعود، رضي الله تعالى عنه.
ورجال هذا الإسناد كلهم كوفيون. وفيه: ثلاثة من التابعين على نسق واحد.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الفضائل عن محمد بن كثير عن سفيان، وفي النذور عن سعد ابن حفص وفي الرقائق عن عبدان، وأخرجه مسلم في الفضائل عن قتيبة وهناد وعن عثمان وإسحاق وعن ابن المثنى وعن محمد ابن بشار. وأخرجه الترمذي في المناقب عن هناد. وأخرجه النسائي في الشروط عن قتيبة به، وفي القضاء عن إسحاق بن إبراهيم به، وعن أحمد بن عثمان النوفلي وعن ابن المثنى وابن بشار، وعن بشر بن خالد وعن عمرو بن علي. وأخرجه ابن ماجة في الأحكام عن عثمان بن أبي شيبة وعمرو بن نافع.
ذكر معناه: قوله: (ثم تجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمنه شهادته)، يعني في حالين لا في حالة واحدة، قال الكرماني: تقدم الشهادة على اليمين وبالعكس دور فلا يمكن وقوعه فما وجهه؟ قلت: هم الذين يحرصون على الشهادة مشغوفون بترويجها، يحلفون على ما يشهدون به، فتارة يحلفون قبل أن يأتوا بالشهادة، وتارة يعكسون، ويحتمل أن يكون مثلا في سرعة الشهادة واليمين، وحرص الرجل عليهما حتى لا يدري بأيتهما يبتديء، فكأنه يسبق أحدهما الآخر من قلة مبالاته بالدين. قوله: (قال إبراهيم...) إلى آخره، موصول بالإسناد المذكور، وقيل: معلق، وقال بعضهم: ووهم من زعم أنه معلق. قلت: لم يقم الدليل على أنه وهم، بل كلام بالاحتمال. قوله: (وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد) وفي رواية البخاري في الفضائل بهذا الإسناد: (ونحن صغار). وكذلك أخرجه مسلم بلفظ: كانوا ينهوننا ونحن غلمان عن العهد والشهادات. وقال أبو عمر: معناه عندهم: النهي عن مبادرة الرجل بقوله: إشهد بالله، وعلى عهد الله لقد كان كذا ونحو ذلك، وإنما كانوا يضربونهم على ذلك حتى لا يصير لهم به عادة فيحلفون في كل ما يصلح وما لا يصلح، وقيل: يحتمل أن يكون المراد بالعهد المنهي الدخول في الوصية لما يترتب على ذلك من المفاسد، والوصية تسمى العهد، قال الله تعالى: * (لن ينال عهدي الظالمين) * (البقرة: 421)..
01 ((باب ما قيل في شهادة الزور))
(٢١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 ... » »»