عمدة القاري - العيني - ج ١٣ - الصفحة ٢١٣
ثم الذين يلونهم قال عمران لا أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد قرنين أو ثلاثة قال النبي صلى الله عليه وسلم إن بعدكم قوما يخونون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يفون ويظهر فيهم السمن.
مطابقته للترجمة في قوله: (ويشهدون ولا يستشهدون)، لأن الشهادة قبل الاستشهاد فيها معنى الجور.
وأبو جمرة، بالجيم والراء: نصر بن عمران الضبعي، وقد مر في أواخر كتاب الإيمان، و: زهدم، بفتح الزاي وسكون الهاء وفتح الدال المهملة: ابن مضرب، بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء: الجرمي البصري.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في فضل الصحابة عن إسحاق بن إبراهيم وفي الرقاق عن بندار عن غندر وفي النذور عن مسدد عن يحيى بن سعيد. وأخرجه مسلم في الفضائل عن أبي بكر وأبي موسى وبندار، ثلاثتهم عن غندر وعن محمد بن حاتم عن عبد الرحمن بن بشر. وأخرجه النسائي في النذور عن محمد ابن عبد الأعلى، سبعتهم عن شعبة عن أبي جمرة.
ذكر معناه: قوله: (قرنء) قال ابن الأنباري: المعنى: خير الناس أهل قرني، فحذف المضاف، وقد يسمى أهل العصر قرنا، لاقترانهم في الوجود، وقال القرطبي: هو بسكون الراء من الناس أهل زمان واحد، وقال ابن التين معنى قوله: (قرني) أي: أصحابي من رآه أو سمع كلامه، فدان به، والقران أهل عصر متقاربة أسنانهم، وقال الخطابي: واشتق لهم هذا الاسم من الاقتران في الأمر الذي يجمعهم، وقيل: إنه لا يكون قرنا حتى يكونوا في زمن نبي أو رئيس يجمعهم على ملة أو رأي أو مذهب. وقال ابن التين: سواء قلت المدة أو كثرت. وقيل: القرن ثمانون سنة. وقيل: أربعون، وقيل: مائة سنة. قال القزاز: واحتج لهذا بأن النبي، صلى الله عليه وسلم مسح بيده على رأس غلام، وقال له: (عش قرنا)، فعاش مائة سنة. قال ابن عديس: قال ثعلب: هذا هو الاختيار، وقال ابن التين: وقيل: من عشرين إلى مائة وعشرين وقيل: ستون، وقال الجوهري: ثلاثون سنة، وقال ابن سيده: هو مقدار التوسط في أعمار أهل الزمان، فهو في كل قوم على مقدار أعمارهم. قال: وهو الأمة تأتي بعد الأمة. قيل: مدته عشر سنين، وفي (الموعب): وقيل عشرون سنة، وقيل: سبعون، وقال ابن الأعرابي: القرن الوقت من الزمان، وفي (التهذيب): لأنه يقرن أمة بأمة وعالما بعالم. قوله: (يلونهم)، من وليه يليه، بالكسر فيهما، والولي: القرب والدنو. قوله: (قال عمران) هو موصول بالإسناد المذكور، وهو بقية حديث عمران. قوله: (أذكر؟) الهمزة فيه للاستفهام. قوله: (بعد) مبني على الضم منوي الإضافة، وفي رواية: بعد قرنه. قوله: (إن بعدكم قوما)، كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية النسفي وابن شبويه: (إن بعدكم قوم) قال الكرماني: فلعله منصوب، لكنه كتب بدون الألف على اللغة الربيعية أو ضمير الشأن محذوف على ضعف. قوله: (يخونون)، بالخاء المعجمة من الخيانة، أو في رواية ابن حزم: يحربون، بالحاء المهملة والراء والباء الموحدة، قال: فإن كان محفوظا فهو من قولهم: حربه يحربه إذا أخذ ماله وتركه بلا شيء، ورجل محروب أي: مسلوب المال. قوله: (ولا يؤتمنون) أي: لا يثق الناس بهم ولا يعتقدونهم، أي: يكون لهم خيانة ظاهرة بحيث لا يبقى للناس اعتماد عليهم. قوله: (ويشهدون)، يحتمل أن يراد: يتحملون الشهادة بدون التحميل، أو يؤدون الشهادة بدون طلب الأداء. وقال الكرماني: فإن قلت: بعض الشهادات تجب أو يستحب الأداء قبل الطلب. قلت: حذف المفعول به يدل على إرادة العموم، فالمذموم عدم التخصيص، وذلك البعض مثل ما فيه حق مؤكد لله تعالى المسمى بشهادة الحسبة غير مراد بدليل خارجي، وقال ابن الجوزي: إن قيل: كيف الجمع بين قوله: (يشهدون ولا يستشهدون؟)، وبين قوله في حديث زيد ن خالد: (ألا أخبركم بخير الشهداء: الذين يأتون بالشهادة قبل أن يسألوها). فالجواب أن الترمذي ذكر عن بعض أهل العلم أن المراد بالذي يشهد ولا يستشهد شاهد الزور. واحتج بحديث عمر عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (ثم يفشوا الكذب حتى يشهد الرجل ولا يستشهد)، والمراد بحديث زيد بن خالد الشاهد على الشيء فيؤدي شهادته ولا يمتنع من إقامتها. وقال الخطابي: ويحتمل أن يريد الشهادة على المغيب من أمر الخلق فيشهد على قوم أنهم من أهل النار، ولآخرين بغير ذلك على مذهب أهل الأهواء، وقيل: إنما هذا في الرجل تكون عنده الشهادة وقد نسيها صاحب الحق، ويترك أطفالا ولهم على الناس حقوق، ولا علم للموصي بها، فيجيء من عنده الشهادة فيبذل شهادته لهم بذلك، فيحيى حقهم، فحمل بذل الشهادة قبل المسألة على مثل هذا. وقال ابن بطال: والشهادة المذمومة لم يرد بها الشهادة على الحقوق، إنما أريد بها الشهادة في الإيمان، يدل عليه قول النخعي رواية في آخر الحديث، وكانوا
(٢١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 ... » »»