عمدة القاري - العيني - ج ١٢ - الصفحة ١٠٩
(كتاب الحوالة) بعد البسملة وقع كذا في رواية النسفي والمستملي، وفي رواية الأكثرين لم يقع إلا لفظ: باب الحوالة، لا غير.
1 ((باب في الحوالة وهل يرجع في الحوالة؟)) أي: هذا باب في بيان حكم الحوالة، وهل يرجع المحيل في الحوالة أم لا؟ وإنما لم يجزم بالحكم لأن فيه خلافا، وهو أن الحوالة عقد لازم عند البعض، وجائز عند آخرين، فمن قال: عقد لازم فلا يرجع فيها، ومن قال عقد جائز فله الرجوع.
وقال الحسن وقتادة إذا كان يوم أحال عليه مليا جاز أي: إذا كان المحال عليه يوم أحال المحيل عليه. أي: على المحال عليه، مليا، يعني: غنيا، من ملىء الرجل إذا صار مليا. وهو مهموز اللام، وليس هو من معتل اللام، وأصل: مليا: مليئا على وزن: فعيلا، فكأنهم قلبوا الهمزة ياء وأدغموا الياء في الياء. قوله: (جاز)، جواب: إذا، يعني: جاز هذا الفعل وهو الحوالة، ومفهومه أنه إذا كان مفلسا فله أن يرجع، وهذا التعليق وصله ابن أبي شيبة والأثرم، واللفظ له، من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة والحسن أنهما سئلا عن رجل احتال على رجل فأفلس، قال: إذا كان مليا يوم احتال عليه فليس له أن يرجع، وجمهور العلماء على عدم الرجوع. وقال أبو حنيفة: يرجع صاحب الدين على المحيل إذا مات المحال عليه مفلسا أو حكم بإفلاسه أو جحد الحوالة، ولم يكن له بينة، وبه قال شريح وعثمان البتي والشعبي والنخعي وأبو يوسف ومحمد وآخرون، وقال الحكم: لا يرجع ما دام حيا حتى يموت ولا يترك شيئا، فإن الرجل يوسر مرة ويعسر أخرى. وقال الشافعي وأحمد وعبيد والليث وأبو ثور: لا يرجع عليه وإن توى وسواء غره بالفلس أو طول عليه أو أنكره. وقال مالك: لا يرجع على الذي أحاله إلا أن يغره بفلس.
وقال ابن عباس يتخارج الشريكان وأهل الميراث فيأخذ هذا عينا وهذا دينا فإن توي لأحدهما لم يرجع على صاحبه.
يتخارج الشريكان أي: يخرج هذا الشريك مما وقع في نصيب صاحبه، وذلك الآخر كذلك أراد أن ذلك في القسمة بالتراضي بغير قرعة مع استواء الدين وإقرار من عليه وحضوره فأخذ أحدهما عينا والآخر الدين، ثم إذا توى الدين أي: إذا هلك لم تنقض القسمة لأنه رضي بالدين عوضا فتوى في ضمانه، فالبخاري أدخل قسمة الديون والعين في الترجمة، وقاس الحوالة عليه، وكذلك الحكم بين الورثة أشار إليه بقوله: (وأهل الميراث) قوله: (فإن توى)، بفتح التاء المثناة من فوق وكسر الواو على وزن: قوى، من: توى المال يتوى من باب علم: إذا هلك، ويقال: توى حق فلان على غريمه إذا ذهب توى وتواء، والقصر أجود فهو: تو وتاو، ومنه: لا توى على مال امرئ مسلم، وتفسيره في حديث عمر، رضي الله تعالى عنه، في المحتال عليه يموت مفلسا، قال: يعود الدين إلى ذمة المحيل.
7822 حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مطل الغني ظلم فإذا اتبع أحدكم على ملي فليتبع.
مطابقته للترجمة في قوله: (فإذا أتبع...) إلى آخره، وأبو الزناد، بكسر الزاي وتخفيف النون: هو عبد الله بن ذكوان، والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز، وقد تكرر ذكرهما.
والحديث أخرجه مسلم في البيوع عن يحيى بن يحيى. وأخرجه النسائي فيه عن محمد ابن سلمة، والحارث بن مسكين كلاهما عن عبد الرحمن بن القاسم أربعتهم عن مالك به. وأخرجه البخاري أيضا في الحوالة عن محمد بن يوسف عن سفيان. وأخرجه الترمذي في البيوع عن بندار عن ابن مهدي عن سفيان. وأخرجه النسائي أيضا وابن
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»