عمدة القاري - العيني - ج ١٢ - الصفحة ٢٨٥
وبعضها بالإخبار * (وضربنا لكم الأمثال) * (إبراهيم: 64). أي: صفات ما فعلوا بالأمثال المضروبة لكل ظالم. قوله: * (وقد مكروا مكرهم) * (إبراهيم: 64). يعني: بالنبي صلى الله عليه وسلم حين هموا بقتله * (وعند الله مكرهم) * (إبراهيم: 64). أي: عالم به لا يخفى عليه، فيجازيهم. قوله: * (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) * (إبراهيم: 64). يعني: وإن كان مكرهم ليبلغ في الكيد إلى إزالة الجبال، فإن الله ينصر دينه، والمراد بالجبال هنا: الاسلام، وقيل: جبال الأرض مبالغة، والأول استعارة، ثم طمن قلب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: * (ولا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز) * (إبراهيم: 64). أي: منيع * (ذو انتقام) * (إبراهيم: 64). من الكفار.
1 ((باب قصاص المظالم)) أي: هذا باب في بيان قصاص المظالم يوم القيامة، والقصاص اسم بمعنى المقاصة، وهو مقاصة ولي المقتول القاتل، والمجروح الجارح، وهي مساواته إياه في قتل أو جرح، ثم عم في كل مساواة، ويقال: أقصه الحاكم يقصه إذا مكنه من أخذ القصاص.
0442 حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال أخبرنا معاذ بن هشام قال حدثني أبي عن قتادة عن أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار فيتقاصون مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا نقوا وهذبوا أذن لهم بدخول الجنة فوالذي نفس محمد صلى الله عليه وسلم بيده لأحدهم بمسكنه في الجنة أدل بمنزله كان في الدنيا. (الحديث 0442 طرفه في: 5356).
مطابقته للترجمة في قوله: (فيقاصون مظالم كانت بينهم) وإسحاق بن إبراهيم هو المعروف بابن راهويه، ومعاذ بن هشام البصري، سكن ناحية اليمن، يكنى أبا عبد الله، وأبوه هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، ودستواء من ناحية الأهواز، كان يبيع الثياب التي تجلب منها فنسب إليها مات سنة ثلاث وخمسين ومائة، وأبو المتوكل علي بن دؤاد، بضم الدال المهملة الأولى الناجي، بالنون وبالجيم وأبو سعيد الخدري، سعيد بن مالك.
والحديث أخرجه البخاري أيضا في الرقاق عن الصلت بن محمد عن يزيد بن زريع، وقد ترجم هناك في: باب القصاص يوم القيامة.
قوله: (إذا خلص المؤمنون)، بفتح اللام أي: إذا سلموا ونجوا من النار، والمراد بعض المؤمنين. قوله: (حبسوا)، على صيغة المجهول، أي: عرفوا. قوله: (بقنطرة)، قال ابن التين: القنطرة كل شيء ينصب على عين أو واد، وقال الهروي سمي البناء قنطرة لتكاثف بعض البناء على بعض، وسماها القرطبي: الصراط الثاني والأول لأهل المحشر، كلهم إلا من دخل الجنة بغير حساب أو يلتقطه عنق من النار، فإذا خلص من الأكبر ولا يخلص منه إلا المؤمنون، حبسوا على صراط خاص بهم، ولا يرجع إلى النار من هذا أحد، وهو معنى قوله إذا خلص المؤمنون من النار أي: من الصراط المضروب على النار، وقال مقاتل: إذا قطعوا جسر جهنم حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فإذا هذبوا قال لهم رضوان: * (سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين) * (الزمر: 37). قوله: (بين الجنة والنار)، أي: بقنظرة كائنة بين الجنة والصراط الذي على متن النار، ولهذا سمي بالصراط الثاني، وبهذا يرد على بعضهم في قوله بقنطرة: الذي يظهر أنها طرف الصراط مما يلي الجنة، ويحتمل أن يكون من غيره بين الصراط والجنة. انتهى. قلت: سبحان الله، ما هذا التصرف بالتعسف، فإن الحديث مصرح بأن تلك القنطرة بين الجنة والنار، وهو يقول: إنها طرف الصراط، وطرف الصراط من الصراط، وقوله بيه، يدل على أنها قنطرة مستقلة غير متصلة بالصراط، وهذا هو المعنى قطعا. وجعل هذا القائل هذا المعنى بالاحتمال وما غر هذا القائل إلا حكاية ابن التين عن الداودي: أن القنطرة هنا يحتمل أن تكون طرف الصراط، والكرماني أيضا تصرف هنا قريبا من كلام الداودي، حيث قال: قوله: قنطرة. فإن قلت: هذا يشعر بأن في القيامة جسرين، هذا والآخر على متن جهنم المشهور بالصراط. قلت: لا محذور فيه، ولئن ثبت بالدليل أنه واحد فلا بد من تأويله: أن هذه القنطرة من تتمة الصراط وذنابته، ونحو ذلك، انتهى. قلت: سبحان الله، فلا حاجة إلى هذا السؤال بقوله: يشعر... إلى آخره لأنه ينادي بأعلى صوته أن
(٢٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 ... » »»