عمدة القاري - العيني - ج ١٢ - الصفحة ٢٢٢
61 ((باب حلب الإبل على الماء)) أي: هذا باب في بيان حقية حلب الإبل على الماء، الحلب، بفتح اللام، يقال: حلبت الناقة والشاة أحلبها حلبا، بفتح اللام. وقال الجوهري: الحلب بالتحريك اللبن المحلب، والحلب أيضا مصدر. قوله: (على الماء)، قال بعضهم: أي: عند الماء. قلت: لم يذكر أحد من أهل اللغة والعربية أن: على، تجىء بمعنى: عند، بل: على، ههنا بمعنى الاستعلاء، بمعنى على ما يقرب منه، كما في قوله تعالى: * (أو أجد على النار هدى) * (طه: 01) معناه: على ما يقرب من النار، وهنا معناه: حلب الإبل على ما يقرب من الماء، يعني: على مكان قريب من الماء الذي تورد إليه للسقي.
8732 حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثنا محمد بن فليح قال حدثني أبي عن هلال بن علي عن عبد الرحمان بن أبي عمرة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من حق الإبل أن تحلب على الماء..
ورجاله ستة: إبراهيم بن المنذر بن عبد الله أبو إسحاق الحزامي المديني، وهو من أفراده، ومحمد بن فليح، بضم الفاء وبالحاء المهملة: مر في أول العلم، وأبوه فليح بن سليمان أبو يحيى الخزاعي، وكان اسمه عبد الملك فغلب عليه لقبه: فليح، وهلال بن علي هو هلال بن أبي ميمونة، ويقال: هلال بن أبي هلال الفهري المديني، و عبد الرحمن بن أبي عمرة، بفتح العين المهملة: الأنصاري الثقة المشهور.
قوله: (من حق الإبل)، أراد به الحق المعهود المتعارف بين العرب من التصدق باللبن على المياه، إذ كانت طوائف الضعفاء والمساكين ترصد يوم ورود الإبل على المياه لتنال من رسلها وتشرب من لبنها، وهذا حق حلبها على الماء، لا أنه فرض لازم عليهم، وقد تأول بعض السلف في قوله تعالى: * (وآتوا حقه يوم حصاده) * (الأنعام: 141). هو أنه: يعطي المساكين عند الجذاذ والحصاد ما تيسر من غير الزكاة، وهذا مهذب ابن عمر وبه قال عطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وجمهور الفقهاء على أن المراد بالآية الزكاة المفروضة، وهذا تأويل ابن عباس وغيره، وهذا كما نهى عن جذاذ النخل بالليل لأجل حضور المساكين بالنهار، وأجازه مالك ليلا. قوله: (أن تحلب)، على صيغة المجهول، و: تحلب، بالحاء المهملة في جميع الروايات، وعن الداودي أنه روى بالجيم، وقال: أراد أنها تجلب، أي: تساق إلى موضع سقيها، ورد عليه بأنه لو كان كذلك لقال: أن تجلب إلى الماء، لا: على الماء، والمقصود من حلبها على الماء حصول النفع لمن يحضر من المساكين هناك، ولأن ذلك ينفع الإبل أيضا. قوله: (على الماء)، قد ذكرنا وجهه، وفي رواية أبي نعيم في (المستخرج) من طريق المعافى بن سليمان عن فليح: يوم وردها والله أعلم بحقيقة الحال.
71 ((باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نخل)) أي: هذا باب في بيان أمر الرجل الذي يكون له ممر، أي حق المرور، أو يكون له حق شرب بكسر الشين، وهو النصيب من الماء. قوله: (في حائط)، يتعلق بقوله: ممر، والحائط هو البستان. قوله: (أو في نخل)، يتعلق بقوله: شرب، وذلك بطريق اللف والنشر، وحكم هذا يعلم من أحاديث الباب، فإنه أورد فيه خمسة أحاديث كلها قد مضى. قيل: وجه دخول هذه الترجمة في الفقه التنبيه على إمكان اجتماع الحقوق في العين الواحدة بأن يكون لشخص ملك وللآخر الانتفاع فيه، مثلا لرجل ثمرة في حائط رجل، فله حق الدخول فيه لأخذ ثمرته، أو لرجل أرض ولآخر فيها حق الشرب، فله أخذ الشرب منها بالدخول فيها، ويأتي بيان ذلك كله في أحاديث الباب.
قال النبي صلى الله عليه وسلم من باع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع هذا الحديث مضى موصولا في كتاب البيوع في: باب من باع نخلا قد أبرت، من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، ومطابقته للترجمة في قوله: (فثمرتها للبائع) لأن الثمرة التي بيعت بعد التأبير لما كانت للبائع لم يكن
(٢٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 ... » »»