عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ٩٠
عبد الله بن عمرو خص بالمنع لما اطلع النبي صلى الله عليه وسلم من مستقبل حاله، فيلتحق به من في معناه ممن يتضرر بسرد الصوم ويبقى غيره على حكم الجواز لعموم الترغيب في مطلق الصوم، كما في حديث أبي سعيد مرفوعا: (من صام يوما في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار)، وسيجئ في الجهاد إن شاء الله تعالى.
6791 حدثنا أبو اليمان قال أخبرنا شعيب عن الزهري قال أخبرني سعيد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمان أن عبد الله بن عمر و قال أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أقول والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت فقلت له قد قلته بأبي أنت وأمي قال فإنك لا تستطيع ذلك فصم وأفطر وقم ونم وصم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر قلت إني أطيق أفضل من ذلك قال فصم يوما وأفطر يومين قلت أني أطيق أفضل من ذلك قال فصم يوما وأفطر يوما فذلك صيام داود عليه السلام وهو أفضل الصيام فقلت أطيق أفضل من ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا أفضل من ذلك..
مطابقته للترجمة في قوله: (وذلك مثل صيام الدهر)، وأبو اليمان الحكم بن نافع وشعيب بن أبي حمزة الحمصيان، والزهري هو محمد بن مسلم.
قوله: (أخبر) على صيغ المجهول، و: (رسول الله) مرفوع به قوله: (بأبي وأمي) أي: أنت مفدى بأبي وأمي. قوله: (فإنك لا تستطيع ذلك)، أي: ما ذكرته من قيام الليل وصيام النهار، وقد علم صلى الله عليه وسلم باطلاع الله إياه أنه يعجز ويضعف عن ذلك عند الكبر، وقد اتفق له ذلك، ويجوز أن يراد به الحالة الراهنة، لما علمه صلى الله عليه وسلم من أنه يتكلف ذلك ويدخل به على نفسه المشقة، ويفوت ما هو أهم من ذلك. قوله: (وصم من الشهر ثلاثة أيام)، بعد قوله: (فصم وأفطر)، لبيان ما أجمل من ذلك. قوله: (مثل صيام الدهر) يعني في الفضيلة واكتساب الأجر، والمثلية لا تقتضي المساواة من كل وجه، لأن المراد به هنا أصل التضعيف دون التضعيف الحاصل من الفعل، ولكن يصدق على فاعل ذلك أنه صام الدهر مجازا. قوله: (أفضل من ذلك) أي: من صوم ثلاثة أيام من الشهر، وكذلك المعنى في أفضل من ذلك الثاني والثالث، والأفضل هنا بمعنى: الأزيد والأكثر ثوابا. قوله: (لا أفضل من ذلك) أي: من صيام داود، عليه السلام. فإن قلت: هذا لا ينفس المساوة صريحا؟ قلت: حديث عمرو بن أوس عن عبد الله بن عمرو: (أحب الصيام إلى الله تعالى صيام داود، عليه والسلام) يقتضي الأفضلية مطلقا، وههنا أفضل بمعنى: أكثر فضيلة، قال الكرماني: قوله: (لا أفضل)، فإن قلت: ماذا يكون أفضل من صيام الدهر؟ قلت: ذاك ليس صيام الدهر حقيقة، بل هو مثله، والفرق ظاهر بين من صام يوما ومن صام عشرة أيام. إذ الأول جاء بالحسنة وإن كانت بعشر، وهذا جاء بعشر حسنات حقيقة، وقال بعضهم: لا أفضل من ذلك في حقك، وأما صوم الدهر فقد اختلف العلماء فيه، فذهب أهل الظاهر إلى منعه لظاهر أحاديث النهي عن ذلك، وذهب جماهير العلماء إلى جوازه إذا لم يصم الأيام المنهي عنها: كالعيدين والتشريق، وهو مذهب الشافعي بغير كراهة، بل هو مستحب، وفي (سنن الكجي): من حديث أبي تميمة الهجيمي: عن أبي موسى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا، وضم أصابعه على تسعين) وروى ابن ماجة بسند فيه ابن لهيعة عن ابن عمرو، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: صام نوح، عليه السلام، الدهر إلا يومين: الأضحى والفطر. وكان جماعة من الصحابة يسردون الصوم، منهم عمر بن الخطاب وابنه عبد الله بن عمر، وعائشة وأبو طلحة وأبو أمامة. فإن قلت: ما الفرق بين صيام الوصال وصيام الدهر؟ قلت: هما حقيقتان مختلفتان، فإن من صام يومين أو أكثر ولم يفطر ليلتهما فهو مواصل، وليس هذا صوم الدهر، ومن صام عمره وأفطر جميع لياليه هو صائم الدهر، وليس بمواصل، والله أعلم بالصواب.
75 ((باب حق الأهل في الصوم)) أي: هذا باب في بيان حق أهل الرجل في الصوم، وقد ذكرنا بأن المراد بالأهل: الأولاد والقرابة ومن حقهم الرفق بهم والإنفاق عليهم.
(٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 ... » »»