عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ٢٧٦
ابن عباس: لا تستقبلوا السوق ولا يتلقى بعضكم لبعض، والمعنى واحد، فحمله مالك على أنه: لا يجوز أن يشتري أحد من الجلب السلع الهابطة إلى الأسواق، سواء هبطت من أطراف المصر أو من البوادي، حتى يبلغ بالسلعة سوقها. وقيل لمالك: أرأيت إن كان تلك على رأس ستة أميال؟ فقال: لا بأس بذلك، والحيوان وغيره في ذلك سواء، وعن ابن القاسم: إذا تلقاها متلق واشتراها قبل أن يهبط بها إلى السوق، وقال ابن القاسم: يفرض، فإن نقصت عن ذلك الثمن لزمت المشتري. قال سحنون، وقال لي غير ابن القاسم: يفسخ البيع، وقال الليث: أكره تلقي السلع وشراءها في الطريق أو على بابك حتى تقف السلعة في سوقها، وسبب ذلك الرفق بأهل الأسواق لئلا ينقطعوا بهم عما له جلسوا يبتغون من فضل الله تعالى، فنهوا عن ذلك، لأن في ذلك إفسادا عليهم. وقال الشافعي: رفقا بصاحب السلعة لئلا يبخس في ثمن سلعته، وعند أبي حنيفة: من أجل الضرر، فإن لم يضر بالناس تلقي ذلك لضيق المعيشة، وحاجتهم إلى تلك السلعة، فلا بأس بذلك، وقال ابن حزم: لا يحل لأحد أن يتلقى الجلب، سواء خرج لذلك أو كان سائرا على طريق الجلاب، وسواء بعد موضع تلقيه أو قرب، ولو أنه عن السوق على ذراع فصاعدا، لا لأصحابه ولا لغير ذلك، أضر ذلك بالناس أو لم يضر، فمن تلقى جلبا أي شيء كان فإن الجالب بالخيار إذا دخل السوق متى ما دخله، ولو بعد أعوام في إمضاء البيع أو رده. قوله: (ولا يبيع بعضكم على بيع بعض..) إلى آخره، قد مر الكلام فيه فيما مضى مستوفى، والله تعالى أعلم.
56 ((باب إن شاء رد المصراة وفي حلبتها صاع من تمر)) أي: هذا باب يذكر فيه إن شاء المشتري ترك بيعه رد المصراة، والحال أن الواجب في حلبتها صاع من تمر، الحلبة بسكون اللام اسم الفعل، ويجوز الفتح على أنه بمعنى المحلوب، وأشار بهذا إلى أن الواجب رد صاع من تمر، سواء كان اللبن قليلا أو كثيرا. قوله: (رد)، فعل ماض، والمصراة مفعوله، والجملة جواب الشرط.
1512 حدثنا محمد بن عمر و قال حدثنا المكي قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرني زياد أن ثابتا مولى عبد الرحمان بن زيد أخبره أنه سمع أبا هريرة رضي الله تعالى عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اشترى غنما مصراة فاحتلبها فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر..
مطابقتها للترجمة ظاهرة.
ذكر رجاله وهم ستة: الأول: محمد بن عمرو، بفتح العين، كذا وقع في رواية الأكثرين بغير ذكر جده، ووقع في رواية عبد الرحمن الهمداني عن المستملي: محمد بن عمرو بن جبلة، وكذا قال أبو أحمد الجرجاني في روايته عن الفربري، وفي رواية أبي علي بن شبويه عن الفربري: حدثنا محمد بن عمرو يعني: ابن جبلة وأهمل الباقون ذكر جده، وجزم الدارقطني بأنه: محمد بن عمرو أبو غسان المعروف بزنيج، بضم الزاي وفتح النون وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره جيم، وجزم الحاكم والكلاباذي بأنه: محمد بن عمرو السواق، بفتح السين المهملة وبالقاف: البلخي، وكذا قاله الكرماني، وقال: مات سنة ست وثلاثين ومائتين. الثاني: المكي، على صورة النسبة إلى مكة، وهو اسمه المكي بن إبراهيم، وقد مر في: باب إثم من كذب في كتاب العلم. الثالث: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج. الرابع: زياد، بكسر الزاي وتخفيف الياء آخر الحروف ابن سعد بن عبد الرحمن. الخامس: ثابت، بالثاء المثلثة: ابن عياض بن الأحنف. السادس: أبو هريرة.
ذكر لطائف إسناده فيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين. وفيه: الإخبار كذلك في موضع وبصيغة الإفراد في موضعين. وفيه: السماع. وفيه: القول في ثلاثة مواضع. وفيه: أن المكي هو شيخه ولكنه روى عنه ههنا بواسطة. وفيه: أن شيخه من أفراده وهو البلخي على رواية الحاكم والرازي على رواية الدارقطني، وأن شيخ شيخه زيادا بلخيان، ولكن زياد أسكن خراسان ثم مكة، وكان شريك ابن جريج، وأن ثابتا مدني.
والحديث أخرجه أبو داود في البيوع أيضا عن عبد الله بن مخلد التميمي عن المكي.
قوله: (غنما) هو اسم مؤنث موضوع للجنس يقع على الذكور وعلى الإناث. وقال الكرماني: وهذا الصاع إنما يجب في الغنم وما في حكمها من مأكول اللحم، بخلاف النهي عن التصرية وثبوت الخيار فإنهما عامان لجميع
(٢٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 ... » »»