عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ٢٧٢
هذه، وبه أخذت الشافعية، واستدل به بعضهم على أن المشتري لو لم يطلع على التصرية إلا بعد الثلاث أنه لا يثبت له خيار الرد لظاهر الحديث. وقال شيخنا: والصحيح عند أصحاب الشافعي ثبوته كسائر العيوب، ولكنه على الفور عندهم بلا خلاف لا يمتد بعد الاطلاع عليه.
وأما التعليق عن مجاهد فوصله البزار، حدثنا محمد بن موسى القطان حدثنا عمرو بن أبان حدثنا محمد بن مسلم الطائفي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أبي هريرة وفيه: من ابتاع مصراة فله أن يردها وصاعا من طعام، ومحمد بن مسلم فيه مقال، وقال صاحب (التلويح): والذي علقه عن مجاهد لم أره إلا ما في مسند البزار. قلت: رواه الطبراني أيضا في الأوسط والدارقطني في سننه.
وأما التعليق عن الوليد بن رباح، بفتح الراء والباء الموحدة، فوصله أحمد بن منيع بلفظ: (من اشترى مصراة فليرد معها صاعا من تمر).
وأما التعليق عن موسى بن يسار، بفتح الياء آخر الحروف والسين المهملة فوصله مسلم: حدثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب حدثنا داود بن قيس عن موسى بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من اشترى شاة مصراة فلينقلب بها فليحلبها، فإن رضي حلابها أمسكها وإلا ردها ومعها صاع تمر).
وقال بعضهم عن ابن سيرين صاعا من طعام وهو بالخيار ثلاثا التعليق عن محمد بن سيرين رواه مسلم: حدثنا محمد بن عمرو بن جبلة بن أبي رواد حدثنا أبو عامر يعني: العقدي حدثنا قرة عن محمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردها رد معها صاعا لا سمراء)، ورواه الترمذي أيضا، ثم قال: معنى من طعام: لا سمراء، لا بر. وقال البيهقي: المراد بالطعام هنا التمر، لقوله: لا سمراء قلت: لا يعلم أن المراد من الطعام ههنا التمر، ولا قوله: لا سمراء، يدل عليه لأن الذي يفهم منه أن لا يكون قمحا وغيره أعم من أن يكون تمرا أو غيره. وقال بعضهم: وروى ابن المنذر من طريق ابن عون عن ابن سيرين أنه سمع أبا هريرة يقول: لا سمراء، تمر ليس ببر، فهذه الرواية تبين أن المراد بالطعام التمر، ولما كان المتبادر إلى الذهن أن المراد بالطعام القمح نفاه بقوله: لا سمراء، ورد هذا بما رواه البزار من طريق أشعث بن عبد الملك عن ابن سيرين بلفظ: إن ردها ردها ومعها صاع من بر لا سمراء. قلت: الظاهر من قوله: (لا سمراء) نفي لقمح مخصوص، وهي الحنطة الشامية، وقد روى الطحاوي من طريق أيوب عن ابن سيرين: أن المراد بالسمراء الحنطة الشامية، وهي كانت أغلى ثمنا من البر الحجازي فكأنه، صلى الله عليه وسلم، أمر برد الصاع من البر الحجازي لأن البر الشامي لكونه أغلى ثمنا قصد التخفيف عليهم، وجاء في الحديث أيضا: أن الطعام غير التمر، وهو ما رواه أحمد بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من الصحابة نحو حديث الباب، وفيه: وإن ردها رد معها صاعا من تمر، فإن ظاهره يقتضي التخيير بين التمر والطعام، وأن الطعام غير التمر.
وقال بعضهم عن ابن سيرين صاعا من تمر ولم يذكر ثلاثا والتمر أكثر هذا التعليق رواه مسلم حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا سفيان عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من اشترى شاة مصراة فهو بخير النظرين: إن شاء أمسكها، وإن شاء ردها وصاعا من تمر لا سمراء). قوله: (والتمر أكثر) من كلام البخاري. أي: أكثر من الطعام، قاله الكرماني، وقيل: أكثر عددا من الروايات التي لم ينص عليه، أو أبدلته بذكر الطعام. وقال بعضهم: قد أخذ بظاهر هذا الحديث جمهور أهل العلم، وأفتى به ابن مسعود وأبو هريرة، ولا مخالف لهم من الصحابة، وقال به من التابعين ومن بعدهم من لا يحصى عدده، ولم يفرقوا بين أن يكون اللبن الذي احتلب قليلا أو كثيرا، ولا بين أن يكون تمر تلك البلد أم لا. انتهى.
قلت: أبو حنيفة غير منفرد بترك العمل بحديث المصراة، بل مذهب الكوفيين وابن أبي ليلى ومالك في رواية مثل مذهب أبي حنيفة، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التصرية، وروى ابن ماجة من حديث ابن مسعود أنه قال: أشهد على الصادق المصدوق أبي القاسم صلى الله عليه وسلم أنه قال: بيع المحفلات خلابة ولا تحل الخلابة لمسلم). انتهى. قلت: والكل مجمعون على أن التصرية حرام وغش وخداع، ولأجل كون بيعها صحيحا مع كونها حراما أجاب
(٢٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 ... » »»