عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ١١٩
مسلم عن أبي عاصم شيخ البخاري فصرح فيها بالتحديث في جميع إسناده. وفيه: رواية عمر عن عم أبيه سالم بن عبد الله ابن عمر. وفيه: أن شيخه بصري والبقية مدنيون.
وأخرجه مسلم أيضا في الصوم عن أحمد بن عثمان النوفلي عن أبي عاصم شيخ البخاري.
ذكر معناه: قوله: (إن شاء صام)، كذا وقع في جميع النسخ من البخاري مختصرا، وعند ابن خزيمة في (صحيحه) عن أبي موسى عن أبي عاصم بلفظ: (إن اليوم يوم عاشوراء، فمن شاء فليصمه ومن شاء فليفطره)، وعند الإسماعيلي قال: (يوم عاشوراء من شاء صامه ومن شاء أفطره)، وفي رواية مسلم: (ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشوراء فقال: كان يوم يصومه أهل الجاهلية، فمن شاء صامه ومن شاء تركه). وروى الطحاوي: حدثنا يونس، قال: حدثنا ابن وهب، قال: حدثنا عبد الله بن عمر والليث بن سعد عن نافع (عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أحب منكم أن يصوم يوم عاشوراء فليصمه، ومن لم يحب فليدعه). وأخرجه الدارمي في (سننه): أخبرنا يعلى عن محمد بن إسحاق عن نافع (عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا يوم عاشوراء، كانت قريش تصومه في الجاهلية فمن أحب منكم أن يصومه فليصمه، ومن أحب منكم أن يتركه فليتركه). وكان ابن عمر لا يصوم إلا أن يوافق صيامه، وهذا كله يدل على الاختيار في صومه.
فإن قلت: قد مضى في أول كتاب الصوم من حديث ابن عمر قال: (صام النبي صلى الله عليه وسلم عاشوراء وأمر بصيامه فلما فرض رمضان تركه)، وهذا يدل على أنه كان واجبا، وقد روي في ذلك أحاديث كثيرة. منها: ما رواه الطحاوي من حديث حبيب بن هند بن أسماء عن أبيه قال: (بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومي من أسلم، فقال: قل لهم فليصوموا يوم عاشوراء، فمن وجدت منهم قد أكل في صدر يومه فليصم آخره). وأخرجه أحمد أيضا في (مسنده) وهذا أيضا يدل على أن صوم عاشوراء كان واجبا. ومنها: ما رواه الطحاوي أيضا: حدثنا علي بن شيبة، قال: حدثنا روح، قال: حدثنا شعبة عن قتادة عن عبد الرحمن بن سلمة الخزاعي هو المنهال عن عمه قال: (غدونا على رسول الله صلى الله عليه وسلم صبيحة يوم عاشوراء، وقد تغدينا، فقال: أصمتم هذا اليوم فقلنا: قد تغدينا. فقال: أتموا بقية يومكم). وقد استدل به من كان يقول: إن صوم يوم عاشوراء كان فرضا لأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بإتمام بقية يومهم ذلك بعد أن تغدوا في أول يومهم، فهذا لم يكن إلا في الواجب. وأجيب: عن هذا بوجوه: الأول: قاله البيهقي: بأن هذا الحديث ضعيف، لأن عبد الرحمن فيه مجهول ومختلف في اسم أبيه، ولا يدري من عمه، ورد عليه بأن النسائي أخرجه من حديث عبد الرحمن هذا عن عمه (أن أسلم أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أصمتم يومكم هذا؟ قالوا: لا، قال: فأتموا بقية يومكم واقضوا). وعبد الرحمن بن سلمة ويقال: ابن مسلمة الخزاعي، ويقال: ابن منهال بن مسلمة الخزاعي ذكره ابن حبان في الثقات، وروى له أبو داود والنسائي هذا الحديث الواحد، وعمه صحابي لم يذكر اسمه، وجهالة الصحابي لا تضر صحة الحديث. الوجه الثاني: ما قيل بأن هذا كان حكما خاصا بعاشوراء، ورخصة ليست لسواه، وزيادة في فضله وتأكيد صومه، وذهب إلى ذلك ابن حبيب المالكي. الوجه الثالث: ما قاله الخطابي: كان ذلك على معنى الاستحباب والإرشاد لأوقات الفضل، لئلا يغفل عنه عند مصادفة وقته، ورد هذا أيضا بأن الظاهر أن هذا كان لأجل فرضية صوم يوم عاشوراء، ولهذا جاء في رواية أبي داود، رضي الله تعالى عنه، والنسائي، رحمه الله تعالى: (فأتموا بقية يومكم واقضوه). فهذا صريح في دلالته على الفرضية، لأن القضاء لا يكون إلا في الواجبات.
ومنها: ما رواه عبد الله بن أحمد في (زياداته على المسند) من حديث علي، رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم عاشوراء ويأمر بصيامه، ورواه البزار أيضا. ومنها: ما رواه ابن ماجة من حديث محمد بن صيفي، قال: (قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء: منكم أحد طعم اليوم؟ قلنا: منا من طعم ومنا من لم يطعم. قال: أتموا بقية يومكم، من كان طعم ومن لم يطعم، فأرسلوا إلى أهل العروض فليتموا بقية يومهم). قال: يعني بأهل العروض حول المدينة. ومنها: حديث سلمة بن الأكوع، على ما يجيء. ومنها: حديث ابن عباس على ما يجيء. ومنها: حديث الربيع بنت معوذ على ما يجيء. ومنها: ما رواه أحمد والبزار والطبراني من حديث عبد الله بن الزبير. قال، وهو على المنبر: (هذا يوم عاشوراء فصوموه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بصومه). ومنها: ما رواه البزار من حديث عائشة بلفظ: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بصيام عاشوراء يوم العاشر)، ورجاله رجال
(١١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 ... » »»