عمدة القاري - العيني - ج ١١ - الصفحة ١١٧
قال أبو منصور اللغوي: عاشوراء ممدود، ولم يجئ فاعولاء في كلام العرب إلا عاشوراء، والضاروراء: اسم الضراء، والساروراء اسم للسراء، والدالولاء اسم للدالة، وخابوراء اسم موضع. وقال الجوهري: يوم عاشوراء وعاسوراء ممدودان، وفي (تثقيف اللسان) للحميري: عن أبي عمرو الشيباني: عاشورا بالقصر، وروي عن أبي عمر، قال: ذكر سيبويه فيه القصر والمد بالهمز، وأهل الحديث تركوه على القصر، وقال الخليل: بنوه على: فاعولاء، ممدودا لأنها كلمة عبرانية، وفي (الجمهرة): هو اسم إسلامي لا يعرف في الجاهلية، لأنه لا يعرف في كلامهم: فاعولاء، ورد على هذا بأن الشارع نطق به، وكذلك أصحابه. قالوا: بأن عاشوراء كان يسمى في الجاهلية، ولا يعرف إلا بهذا الاسم.
النوع الثاني: اختلفوا فيه في أي يوم: فقال الخليل: هو اليوم العاشر، والاشتقاق يدل عليه، وهو مذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين. ومن بعدهم، فممن ذهب إليه من الصحابة: عائشة، ومن التابعين: سعيد بن المسيب والحسن البصري، ومن الأئمة: مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأصحابهم، وذهب ابن عباس إلى أن عاشوراء هو اليوم التاسع، وفي (المصنف): عن الضحاك: عاشوراء اليوم التاسع، وفي (الأحكام) لابن بزيزة: اختلف الصحابة فيه: هل هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر أو اليوم الحادي عشر؟ وفي (تفسير أبي الليث السمرقندي): عاشوراء يوم الحادي عشر، وكذا ذكره المحب الطبري، واستحب قوم صيام اليومين جميعا، روي ذلك عن أبي رافع صاحب أبي هريرة وابن سيرين، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، وروي عن ابن عباس أنه: كان يصوم اليومين خوفا أن يفوته، وكان يصومه في السفر، وفعله ابن شهاب. وصام أبو إسحاق عاشوراء ثلاثة أيام: يوما قبله ويوما بعده في طريق مكة، وقال: إنما أصوم قبله وبعده كراهية أن يفوتني، وكذا روي عن ابن عباس أيضا أنه قال: صوموا قبله يوما وبعده يوما، وخالفوا اليهود. وفي (المحيط): وكره إفراد يوم عاشوراء بالصوم لأجل التشبه باليهود، وفي (البدائع): وكره بعضهم إفراده بالصوم، ولم يكرهه عامتهم، لأنه من الأيام الفاضلة. وقال الترمذي: باب ما جاء في يوم عاشوراء، أي يوم هو؟ حدثنا هناد وأبو كريب، قالا: حدثنا وكيع عن حاجب بن عمر عن الحكم بن الأعرج، قال: انتهيت إلى ابن عباس وهو متوسد رداءه في زمزم، فقلت: أخبرني عن يوم عاشوراء أي يوم أصومه؟ فقال: إذا رأيت هلال المحرم فأعدد، ثم أصبح من اليوم التاسع صائما. قلت: أهكذا كان يصومه محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، حدثنا قتيبة حدثنا عبد الوارث عن يونس عن الحسن عن ابن عباس، قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء اليوم العاشر. قال أبو عيسى: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح. قلت: حديث ابن عباس الأول رواه مسلم وأبو داود، والثاني انفرد به الترمذي وهو منقطع بين الحسن البصري وابن عباس، فإنه لم يسمع منه، وقول الترمذي: حديث حسن، لم يوضح مراده، أي حديثي ابن عباس أراد؟! وقد فهم أصحاب الأطراف أنه أراد تصحيح حديثه الأول، فذكروا كلامه هذا عقيب حديثه الأول، فتبين أن الحديث الثاني منقطع وشاذ أيضا لمخالفته للحديث الصحيح المتقدم. فإن قلت: هذا الحديث الصحيح يقتضي بظاهره أن عاشوراء هو التاسع؟ قلت: أراد ابن عباس من قوله: فإذا أصبحت من تاسعه فأصبح صائما، أي: صم التاسع مع العاشر، وأراد بقوله: نعم، ما روي من عزمه، صلى الله عليه وسلم، على صوم التاسع من قوله: لأصومن التاسع. وقال القاضي: ولعل ذلك على طريق الجمع مع العاشر لئلا يتشبه باليهود، كما ورد في رواية أخرى: (فصوموا التاسع والعاشر)، وذكر رزين هذه الرواية عن عطاء عنه، وقيل: معنى قول ابن عباس: نعم، أي نعم يصوم التاسع لو عاش إلى العام المقبل. وقال أبو عمر: وهذا دليل على أنه، صلى الله عليه وسلم، كان يصوم العاشر إلى أن مات، ولم يزل يصومه حتى قدم المدينة، وذلك محفوظ من حديث ابن عباس، والآثار في هذا الباب عن ابن عباس مضطربة.
النوع الثالث: لم سمي اليوم العاشر عاشوراء؟ اختلفوا فيه، فقيل: لأنه عاشر المحرم، وهذا ظاهر، وقيل: لأن الله تعالى أكرم فيه عشرة من الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام بعشر كرامات. الأول: موسى عليه السلام، فإنه نصر فيه، وفلق البحر له، وغرق فرعون وجنوده. الثاني: نوح عليه السلام استوت سفينته على الجودي فيه. الثالث: يونس، عليه السلام،
(١١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 ... » »»