عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ٢٧٧
((باب ما جاء في زمزم)) أي: هذا باب في بيان ما جاء في ذكر زمزم من الآثار. قيل: ولم يذكر ما جاء فيه من فضله، لأنه كان لم يثبت عنده بشرطه، واكتفى بذكره مجردا. قلت: لا نسلم ذلك، فإن حديث الباب يدل على فضلها، لأن فيه: (ففرج صدري ثم غسله بماء زمزم)، وهذا يدل قطعا على فضلها حيث اختص غسل صدره، عليه الصلاة والسلام، بمائها دون غيرها، وذلك لأنها ركضة جبريل، عليه الصلاة والسلام، وسقيا إسماعيل صلى الله عليه وسلم وفي (معجم ما استعجم): هي بفتح الأول وسكون الثاني وفتح الزاي الثانية، قال: ويقال بضم الأول وفتح الثاني وكسر الزاي الثانية، ويقال بضم أوله وفتح ثانيه وتشديده وكسر الزاي الثانية. وفي (كتاب الأزهري) عن ابن الأعرابي: زمزم وزمم وزمزام، وتسمى: ركضة جبريل، عليه السلام، وهمزمة جبريل، وهزمة جبريل، بتقديم الزاي، وهزمة الملك، وتسمى: الشباعة. قال الزمخشري: ورواه الخازرنجي: شباعة، وقال صاعد في (الفصوص) ومن أسمائها: تكتم، وقال الكلبي: إنما سميت زمزم لأن بابل بن ساسان حيث سار إلى اليمن دفن سيوف قلعته وحلي الزمازمة في موضع بئر زمزم، فلما احتفرها عبد المطلب أصاب السيوف والحلي فيه سميت زمزم. وقال ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما: سميت زمزم لأنها زمت بالتراب لئلا يأخذ الماء يمينا وشمالا، ولو تركت لساحت على وجه الأرض حتى ملأ كل شيء. وقال الحربي: سميت بزمزمة الماء، وهو حركته، وقال أبو عبيد: قال بعضهم: إنها مشتقة من قولهم: ماء زمزوم وزمزام أي: كثير. وفي (الموعب): ماء زمزم وزمازم، وهو الكثير وعن ابن هشام: الزمزمة عند العرب الكثرة والاجتماع، وذكر المسعودي أن الفرس كانت تحج إليها في الزمن الأول، والزمزمة صوت تخرجه الفرس من خياشيمها.
ومن فضائلها: ما رواه مسلم: شرب أبو ذر منها ثلاثين يوما وليس له طعام غيرها. وأنه سمن، فأخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، بذلك فقال: إنها مباركة، إنها طعام طعم وزاد أبو داود الطيالسي في (مسنده) وشفاء سقم، وروى الحاكم في (المستدرك) من حديث ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما، مرفوعا: (ماء زمزم لما شرب له)، رجاله ثقات إلا أنه اختلف في إرساله ووصله، وإرساله أصح. وعن أم أيمن، قالت: (ما رأيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، شكى جوعا قط ولا عطشا، كان يغدو إذا أصبح فيشرب من ماء زمزم شربه، فربما عرضنا عليه الطعام فيقول: لا أنا شبعان شبعان). ذكره في (المصنف الكبير) في شرف المصطفى، صلى الله عليه وسلم. وعن عقيل ابن أبي طالب، قال: كنا إذا أصبحنا وليس عندنا طعام قال لنا أبي ائتوا زمزم فنأتيها فنشرب منها فنجتزىء، وروى الدارقطني من حديث ابن عباس، رضي الله تعالى عنهما مرفوعا: (وهي هزمة جبريل وسقيا إسماعيل)، وذكر الزمخشري في (ربيع الأبرار) أن جبريل، عليه السلام، أنبط بئر زمزم مرتين: مرة لآدم، عليه السلام، حتى انقطعت زمن الطوفان، ومرة لإسماعيل عليه السلام، وروى ابن ماجة بإسناد جيد: (أن ابن عباس، رضي الله تعالى عنه، قال لرجل: إذا شربت من زمزم فاستقبل الكعبة، واذكر اسم الله، عز وجل، فإن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم). وروى الدارقطني أن عبد الله كان إذا شرب منها، قال: اللهم إني أسأك علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء. وروى أحمد بإسناد جيد من حديث جابر في ذكر حجته، عليه السلام، ثم عاد إلى الحجر ثم ذهب إلى زمزم فشرب منها وصب على رأسه، ثم رجع فاستلم الركن... الحديث.
5361 حدثنا إسحاق قال حدثنا خالد عن خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى السقاية فاستسقى فقال العباس يا فضل اذهب إلى أمك فات رسول الله صلى الله عليه وسلم بشراب من عندها فقال اسقني قال يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه قال إسقني فشرب منه ثم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها فقال اعملوا فإنكم على عمل صالح ثم قال لولا أن تغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل على هاذه يعني عاتقه وأشار إلى عاتقه.
مطابقته للترجمة في قوله: (جاء إلى السقاية)، هذا الأسناد بعينه مضى في أول: باب المريض يطوف راكبا، وإسحاق هو ابن شاهين الواسطي. وقال صاحب (التلويح): هو إسحاق بن بشر، وهو وهم، وخالد الأول: هو ابن عبد الله الطحان، والثاني: خالد ابن مهران الحذاء.
وهذا الحديث من أفراده.
ذكر معناه: قوله: (جاء إلى السقاية)، قد ذكرنا أن السقاية ما يبنى للماء، وهو الموضع الذي يسقى فيه الماء، وفي (المجمل): هو الموضع الذي يتخذ فيه الشراب في الموسم وغيره. قوله: (فاستسقى) أي: طلب الشرب. قوله: (يا فضل)، هو ابن العباس أخو عبد الله، وأمهما لبابة بنت الحارث الهلالية. قوله: (إنهم يجعلون إيديهم فيه) وفي رواية الطبري عن أبي كريب عن أبي بكر بن عياش عن يزيد بن أبي زياد عن عكرمة (عن ابن عباس، قال: لما طاف النبي صلى الله عليه وسلم أتى العباس وهو في السقاية فقال: إسقوني. قال العباس: إن هذا قد مرت يعني: قد مرس أفلا أسقيك مما في بيوتنا؟ قال: لا، ولكن إسقوني مما يشرب الناس، فأتى به فذاقه، فقطب ثم دعا بماء فكسره، ثم قال: إذا اشتد نبيذكم فاكسروه بالماء، وتقطيبه منه إنما كان لحموضة فقط، وكسره بالماء ليهون عليه شربه، ومثل ذلك يحمل على ما روي عن عمر وعلي، رضي الله تعالى عنهم، فيه لا غير. وروى مسلم من حديث بكر بن عبد الله المزني قال: كنت جالسا مع ابن عباس عند الكعبة، فأتاه أعرابي فقال: ما لي أرى بني عمكم يسقون العسل واللبن وأنتم تسقون النبيذ؟ أمن حاجة بكم أم من بخل؟ فقال ابن عباس: الحمد لله، ما بنا من حاجة ولا بخل، قدم النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته وخلفه أسامة، فاستسقى، فأتيناه بإناء فيه نبيذ فشرب وسقى فضله أسامة، وقال: أحسنتم وأجملتم، كذا فاصنعوا، ولا نزيد ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم. قوله: (قال: اسقني) ويروى: (فقال)، الفاء فيه فصيحة أي: فذهب فأتى بالشراب، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إسقني. قوله: (وهم يسقون)، جملة حالية أي: يسقون الناس. قوله: (ويعملون فيها)، أي: ينزحون منها الماء. قوله: (لولا أن تغلبوا)، بضم التاء على صيغة المجهول، أي: لولا أن يجتمع عليكم الناس، ومن كثرة الزحام تصيرون مغلوبين. وقال الداودي: أي أنكم لا تتركوني أستقي ولا أحب أن أفعل بكم ما تكرهون فتغلبوا. وقيل: معناه لولا أن تقع عليكم الغلبة بأن يجب عليكم ذلك بسبب فعلي. وقيل. معناه: لولا أن تغلبوا بأن ينتزعها الولاة منكم حرصا على حيازة هذه المكرمة. وروى مسلم من حديث جابر (أتى النبي صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم، فقال: إنزغوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزغت معكم، فناولوه دلوا فشرب منه). وذكر ابن السكن أن الذي ناوله الدلو هو العباس بن عبد المطلب.
(٢٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 272 273 274 275 276 277 277 278 279 280 281 ... » »»