عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ٢٨١
فجمعت بينهم في الذكر، وأخبرت أنهم إنما طافوا طوافا واحدا، وأنها أرادت بين الصفا والمروة، ولما ذكرنا من الدلالة مع كونه معقولا، ولو اقتصرت على اللفظة الأخيرة لم يجز حملها أيضا، لأنها تقتضي اقتصارا على طواف واحد لكل ما حصل به الجمع، والجمع إنما حصل بالعمرة والحج جميعا، فيقتضي اقتصارا على طواف واحد لهما جميعا لا لأحدهما، والمتمتع لا يقتصر على طواف واحد بالإجماع، فدل على أنها أرادت بهذا الجمع جمع قران. انتهى. قلت: لم يتأمل البيهقي كلام الطحاوي لغشيان التعصب على فكره، ألا ترى كيف يؤول قولها: فإنما طافوا طوافا واحدا أنها أرادت بهذا السعي بين الصفا والمروة، فما الضرورة إلى تأويل الطواف بالسعي؟ بل المراد الطواف بالبيت. وقوله: تقتضي اقتصارا على طواف واحد... إلى آخره، ليس كذلك لأنه قال: إن حجتهم تلك صارت مكية والحجة المكية يطاف لها بعد عرفة، فإذا كان كذلك لا يقتصر المتمتع على طواف واحد، على أنا نقول: أحاديث عائشة، رضي الله تعالى عنها، في هذا الباب مضطربة جدا لا يتم بها الاستدلال لأحد من الخصوم. وقد قالت في رواية: أهللنا بعمرة وفي أخرى فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحج. قالت: ولم أهل إلا بحج، وفي أخرى: خرجنا لا نريد إلا الحج، وفي أخرى لبينا بالحج، وفي أخرى: مهلين بالحج، والكل صحيح. وفي رواية: وكنت ممن تمتع ولم يسق الهدي حتى، قال مالك: ليس العمل على حديث عروة عن عائشة قديما وحديثا.
وسأل الكرماني عن وجه الجمع بين هذه الروايات، ثم قال: قالوا وجهه أنهم أحرموا بالحج، ثم لما أمرهم بالفسخ إلى العمرة أحرم أكثرهم متمتعين، وبعضهم بسبب الهدي بقوا على ما كانوا عليه، وبعضهم صاروا قارنين، ثم قال هذا القائل المعترض: قال عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل، قال: حلف طاووس ما طاف أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لحجه وعمرته إلا طوافا واحدا، وهذا إسناد صحيح. وفيه: بيان ضعف ما روى عن علي وابن مسعود، رضي الله تعالى عنهما من ذلك، انتهى. قلت: ليس شعري ما وجه هذا البيان؟ وعجبي كيف يلهج هذا القائل بهذا القول الذي لا يجديه شيئا؟ ونقل هذا اليمين عن طاووس كاد أن يكون محالا لعدم القدرة على الإحاطة على أطوفة الصحابة أجمعين، والكلام أيضا في الرواة من دون عبد الرزاق.
قوله: (فلما قضينا حجنا)، وذلك بعد أن طهرت وطافت بالبيت أرسلها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أخيها عبد الرحمن ابن أبي بكر، رضي الله تعالى عنهما، إلى التنعيم، بفتح التاء المثناة من فوق وسكون النون، وبالعين المهملة المكسورة، وهو على ثلاثة أميال من مكة. قوله: (مكان عمرتك)، نصب على الظرف أي بدل عمرتك، وقيل: إنما قال ذلك تطييبا لقلبها، ويقال: معناه مكان عمرتك التي تركتها لأجل حيضك. قوله: (فإنما طافوا)، وفي كثير من النسخ طافوا بدون لفظ، فإنما، وبدون الفاء في طافوا، وهذا دليل جواز حذف الفاء في جواب: أما، مع أن النحاة صرحوا بلزوم ذكره إلا في ضرورة الشعر، وقال بعضهم: لا يجوز حذف الفاء مستقلا، لكن يجوز حذفها مع القول، كما في قوله تعالى: * (فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتهم بعد إيمانكم) * (آل عمران: 601). إذ تقديره: فالقول لهم هذا الكلام، وقال ابن مالك، هذا الحديث وأخواته كقوله، صلى الله عليه وسلم: (أما موسى كأني أنظر إليه)، وأما بعد: ما بال رجال يشترطون شروطا)، فمخالف لهذه القاعدة، فعلم أن من خصه بما إذا حذف القول معه فهو مقصر في فتواه، عاجز عن نصرة دعواه.
9361 حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال حدثنا ابن علية عن أيوب عن نافع أن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما دخل ابنه عبد الله بن عبد الله وظهره في الدار فقال إني لا آمن أن يكون العام بين الناس قتال فيصدوك عن البيت فلو أقمت فقال قد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فحال كفار قريش بينه وبين البيت فإن حيل بيني وبينه أفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ثم قال أشهدكم أني قد أوجبت مع عمرتي حجا قال ثم قدم فطاف لهما طوافا واحدا.
.
مطابقته للترجمة في قوله: (فطاف لهما طوافا واحدا)، وهذا طواف القارن عنده كما ذهب إليه الشافعي، ومن قال بقوله.
ذكر
(٢٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 277 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 ... » »»