عمدة القاري - العيني - ج ٩ - الصفحة ١٧٦
من يرى إسقاط ما تعارض من الروايات والأخذ بما لم يتعارض منها وأما من ذهب إلى الأخذ بالزائد فهو وجه يجب استعماله إذا كانت الألفاظ والأفعال كلها منسوبة إلى سيدنا رسول الله ولم تكن موقوفة على من دونه ولا تنازعا ممن سواه فوجهه أنا وجدنا من روى الإفراد إنما اقتصر على ذكر الإهلال بعمرة وحدها دون حج معها ووجدنا من روى القران قد جمع الأمرين معا فزاد على من ذكر الحج وحده عمرة وزاد على من ذكر العمرة وحدها حجا فكانت هذه زيادتا علم لم يذكرهما الآخرون وزيادة حفظ ونقل على كلتي الطائفتين المتقدمتين وزيادة العدل مقبولة وواجب الأخذ بها لا سيما إذا روجع فيها فثبت عليها ولم يرجع كما ثبت في الصحيح من حديث بكر عن أنس رضي الله تعالى عنه سمعت النبي يلبي بالحج والعمرة قال بكر فحدثت بذلك ابن عمر فقال أنس ما يعدوننا إلا صبيانا سمعت رسول الله يقول ' لبيك عمرة وحجا ' وفي لفظ جمع بينهما بين الحج والعمرة وفي حديث يحيى بن أبي إسحق وعبد العزيز بن صهيب وحميد سمعوا أنسا قال سمعت النبي أهل بهما ' لبيك عمرة وحجا ' وسيأتي عند البخاري اختلاف علي وعثمان رضي الله تعالى عنهما وقول علي ما كنت لأدع سنة النبي لقول أحد ثم أهل بهما لبيك بعمرة وحجة وعند مسلم من حديث عمران بن حصين أن رسول الله جمع بين حجة وعمرة ثم لم ينه عنه حتى مات ولم ينزل فيه قرآن يحرمه وعند أبي داود بسند صحيح عن البراء بن عازب عن علي رضي الله تعالى عنهما أن النبي لما قدم من اليمن قال ' إنه قد سقت الهدي وقرنت ' وعن الصبي بن معبد بسند صحيح في حديث قال ' أهللت بالحج والعمرة فقال لي عمرة هديت لسنة النبي قالها مرتين ' رواه الطبراني في الأوسط قال الدارقطني في العلل هو حديث صحيح وقال ابن عمر جيد الإسناد رواه الثقات الأثبات عن أبي وائل عن الصبي عن عمر ومنهم من يجعله عن أبي وائل عن عمر رضي الله تعالى عنه والأول مجود ورواته أحفظ وعن أبي قتادة ' إنما قرن رسول الله بين الحج والعمرة لأنه علم أنه ليس بحاج بعدها ' قال الحاكم صحيح على شرطهما ولم يخرجاه وفي الاستذكار روى سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول بالكوفة إنما جمع بين الحج والعمرة لأنه علم أنه لا يحج بعدها وعن سراقة بسند صالح عند أحمد قال ' قرن رسول الله في حجة الوداع ' وعن أبي طلحة ' أن رسول الله جمع بين الحج والعمرة ' رواه ابن ماجة من حديث الحجاج بن أرطاة وعند الترمذي محسنا عن جابر أن رسول الله قرن الحج والعمرة وقال ابن حزم صح عن عائشة وحفصة أمي المؤمنين أنه كان قارنا (قلت) يريد بذلك ما رواه أبو داود عن الربيع بن سليمان أنبأنا محمد بن إدريس عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن عطاء عن عائشة أن النبي قال لها طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك قال ابن حزم فصح أنها كانت قارنة وعند أحمد بسند جيد عن أم سلمة سمعت رسول الله يقول أهلوا يا آل محمد بعمرة في حج وعند أبي داود من حديث خيوان أن معاوية قال للصحابة هل تعلمون أن النبي نهى أن يقرن بين الحج والعمرة فقالوا لا وفي سنن الكجي حدثنا سليمان بن داود حدثنا يحيى بن ضريس عن عكرمة بن عمار عن الهرماس بن زياد قال سمعت النبي على ناقته قال لبيك حجة وعمرة معا واعلم أن الطحاوي رحمه الله قد أخرج في تفضيل القران وأنه كان قارنا من عشرة أنفس من الصحابة وهم عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وعمران بن حصين وأبو طلحة وسراقة بن مالك وعائشة وأم سلمة زوجي النبي وأخرج عن أنس بعدة طرق وفي الباب أيضا عن أبي قتادة وجابر ومعاوية والهرماس بن زياد وأبي هريرة والكل قد ذكرناه إلا حديث عبد الله بن عمر وحديث عبد الله بن عباس وحديث أبي هريرة. أما حديث عبد الله بن عمر فأخرجه الطحاوي عن نافع عنه أن ابن عمر خرج من المدينة إلى مكة مهلا بالعمرة مخافة الحصر ثم قال ما شأنهما إلا واحدا أشهدكم أني أوجبت إلى عمرتي هذه حجة ثم قدم فطاف لهما طوافا وقال هكذا فعل رسول الله وأخرجه الشيخان مطولا ففيه دليل على تفضيل القران وعلى أنه كان قارنا وذلك لأنه أضاف إلى عمرته حجة قبل أن يطوف لها فهذا هو
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»