عمدة القاري - العيني - ج ٧ - الصفحة ١٠٩
تكون طاهرا فإذا سجدت وأنت في حضر فاستقبل القبلة فإن كنت راكبا فلا عليك حيث كان وجهك الزهري: هو محمد بن مسلم بن شهاب، وصل هذا عبد الله بن وهب عن يونس عنه بتمامه. قوله: (لا تسجد إلا أن تكون طاهرا) يدل على أن الطهارة شرط لأداء سجدة التلاوة، وفيه خلاف ابن عمر والشعبي، وقد ذكرناه. قال بعضهم: قيل: قوله: (لا تسجد إلا أن تكون طاهرا)، ليس بدال على عدم الوجوب، لأن المدعي يقول: علق على شرط وهو وجود الطهارة، فحيث وجد الشرط لزم. قلت: هذا كلام واه، كيف ينقله من له وجه إدرك؟ لأن أحدا هل قال: يلزم من وجوب الشرط وجود المشروط، والشرط خارج عن الماهية والوجوب، وعدم الوجوب يتعلق بالماهية لا بالشرط، وغايته أنه إذا ثبت وجوبه يشترط له الطهارة للأداء، والجواب: إن موضع الترجمة من هذا الأثر قوله: (فإن كنت راكبا فلا عليك حيث كان وجهك)، لأن هذا دليل النفل، إذ الفرض لا يؤدى على الدابة في الأمن. قلت: كيف يطابق هذا الجواب لقول هذا القائل المذكور وبينهما بعد عظيم؟ يظهر بالتأمل على أن الحنفي لا يقول بفرضيته، حتى يقال: الفرض لا يؤدى على الدابة قوله: (وإن كنت راكبا)، قال الكرماني: أي: في السفر بقرينة كونه قسيما لقوله: (في حضر)، والركوب كناية عن السفر، لأن السفر مستلزم له. قلت: لا نسلم تقييد الراكب بالسفر، لأنه أعم من أن يكون راكبا في الحضر أو السفر. وقوله: والركوب كناية، فيه عدول عن الحقيقة من غير ضرورة، وقوله: لأن السفر مستلزم له، أي: للركوب، غير صحيح، لأنه يكون بالمشي أيضا. قوله: (لا عليك) أي: لا بأس عليك أن لا تستقبل القبلة عند السجود.
وكان السائب بن يزيد لا يسجد لسجود القاص السائب بن يزيد من الزيادة ابن أخت نمر الكندي، ويقال: الليثي، ويقال الأزدي، ويقال: الهذلي أبو يزيد الصحابي المشهور، مات سنة إحدى وتسعين، وقد مر ذكره في: باب استعمال فضل وضوء الناس، والقاص، بالقاف وتشديد الصاد المهملة: الذي يقص الناس الأخبار والمواعظ. قال الكرماني: ولعل سببه أنه ليس قاصدا لقراءة القرآن قلت: لعل سببه أن لا يكون قصده السماع، أو كان سمعه ولم يكن يستمع له، أو كان لم يجلس له فلا يسجد.
7701 حدثنا إبراهيم بن موسى قال أخبرنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم قال أخبرني أبو بكر بن أبي مليكة عن عثمان بن عبد الرحمان التيمي عن ربيعة بن عبد الله بن الهدير التيمي قال أبو بكر وكان ربيعة من خيار الناس عما حضر ربيعة من عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قرأ يوم الجمعة على المنبر بسورة النحل حتى إذا جاء السجدة نزل فسجد وسجد الناس حتى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتى إذا جاء السجدة قال يا أيها الناس إنا نمر بالسجود فمن سجد فقد أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه ولم يسجد عمر رضي الله تعالى عنه.
مطابقته للترجمة غير تامة لأن فيه: (نزل فسجد)، فهذا يدل على أنه كان يرى السجدة مطلقا سواء كان على سبيل الوجوب أو السنية. وقوله أيضا: (وسجد الناس)، يدل على ذلك، إذ لو كان الأمر بخلاف ذلك لمنعهم. فإن قلت: قوله: (ومن لم يسجد فلا إثم عليه)، يدل على نفي الوجوب. قلت: لا نسلم، لأنه يحتمل أنه ليس على الفور فلا يأثم بتأخيره، فلا يلزم من ذلك عدم الوجوب. فإن قلت: قوله: (ولم يسجد عمر) يدل على خلاف ما قلت قلت: لا نسلم لاحتمال إنه لم يسجد في ذلك الوقت لعارض، مثل انتقاض الوضوء، أو يكون ذلك منه إشارة إلى أنه ليس على الفور. فإن قلت: ما ذكرت من الاحتمالات ينفي ما قلت. قلت: لا نسلم، لأنه روي عن عمر ما يؤكد ما ذهبنا إليه، وهو ما رواه الطحاوي: حدثنا أبو بكرة، قال: حدثنا أبو داود وروح، قالا: حدثنا شعبة، قال: (أنبأني سعد بن إبراهيم قال: سمعت ابن أخت لنا، يقال له عبد الله بن ثعلبة، قال: صلى بنا عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، الصبح فيما أعلم، ثم قال سعد: صلى بنا الصبح فقرأ بالحج وسجد فيها سجدتين). وأخرجه ابن أبي شيبة في (مصنفه): عن غندر وعن شعبة إلى آخره نحوه، ومما يؤكد ما قلنا. قوله: (فمن سجد فقد أصاب السنة)، والسنة إذا أطلقت يراد بها سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بالسجدة في مواضع السجود في القرآن، فدل هذا كله أنه سنة مؤكدة، ولا فرق بينها وبين الواجب، فسقط بهذا قول من قال: وأقوى الأدلة على نفي الوجوب حديث
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»