عمدة القاري - العيني - ج ٧ - الصفحة ١٠٨
(اسجدوا). وقوله: (واسجد) على الندب، أو على أن المراد به سجود الصلاة أو في الصلاة المكتوبة على الوجوب، وفي سجدة التلاوة على الندب؟ قلت: الأمر إذا جرد عن القرائن يدل على الوجوب لتجرده عن القرينة الصارفة عن الوجوب، وحمله على سجود الصلاة يحتاج إلى دليل، واستعماله في الصلاة المكتوبة على الوجوب وفي سجدة التلاوة على الندب استعمال لمفهومين مختلفين في حالة واحدة، وهو ممتنع.
وقيل لعمران بن حصين الرجل يسمع السجدة ولم يجلس لها قال أرأيت لو قعد لها كأنه لا يوجبه عليه هذا وما بعده من أثر سليمان، ومن كلام الزهري وفعل السائب بن يزيد داخلة في الترجمة، ولهذا عطفه بالواو، وأثر عمران الذي علقه وصله ابن أبي شيبة في (مصنفه) بمعناه قال: حدثنا عبد الأعلى عن الجريري عن أبي العلاء عن مطرف قال: وسألته عن الرجل يتمادى في السجدة أسمعها أو لم يسمعها؟ قال: وسمعها فماذا؟ ثم قال مطرف: سألت عمران بن حصين عن الرجل لا يدري أسمع السجدة أم لا؟ قال: وسمعها فماذا؟
قوله: (ولم يجلس لها) أي: لقراءة السجدة قال أي عمران أرأيت أي أخبرني قوله (الوقعة لها) أي للسجدة وجواب لو محذوف يعني لا يجب عليه شيء قوله كأنه لا يوجبه عليه من كلام البخاري، أي: كأن عمران لا يوجب السجود على الذي قعد لها للاستماع، فإذا لم يوجب على المستمع فعدمه على السامع بالطريق الأولى. قلت: يعارض هذا أثر ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، أنه قال: السجدة على من سمعها. رواه ابن أبي شيبة، وكلمة: على للإيجاب مطلق عن قيد القصد، فتجب على كل سامع سواء كان قاصدا للسماع أو لم يكن.
وقال سلمان ما لهاذا غدونا سلمان هذا هو الفارسي، هو قطعة من أثره علقه البخاري ووصله ابن أبي شيبة عن ابن فضيل عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن، قال: دخل سلمان الفارسي المسجد وفيه قوم يقرأون فقرأوا سجدة فسجدوا، فقال له صاحبه: يا أبا عبد الله لو أتينا هؤلاء؟ قال: ما لهذا غدونا). وأخرجه البيهقي أيضا. وأخرجه عبد الرزاق من طريق أبي عبد الرحمن السلمي قال: (مر سلمان على قوم قعود فقرأوا السجدة فسجدوا، فقيل له، فقال: ليس لهذا غدونا). قوله: (ما لهذا غدونا) أي: ما غدونا لأجل السماع، فكأنه أراد بيان إنا لم نسجد لأنا ما كنا قاصدين السماع.
وقال عثمان رضي الله تعالى عنه إنما السجدة على من استمعها هذا التعليق وصله عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب أن عثمان مر بقاص فقرأ سجدة ليسجد معه عثمان، فقال عثمان: إنما السجود على من استمع، ثم مضى ولم يسجد. وروى ابن أبي شيبة: حدثنا وكيع عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن ابن المسيب عن عثمان، قال: إنما السجدة على من جلس لها.
قوله: (على من استمعها) يعني: لا على السامع. قال الكرماني: والفرق بينهما أن المستمع من كان قاصدا للسماع مصغيا إليه، والسامع من اتفق سماعه من غير قصد إليه. قلت: هذه الآثار الثلاثة لا تدل على نفي وجوب السجدة على التالي، والترجمة تدل على العموم، فلا مطابقة بينهما من هذا الوجه، ورواية ابن أبي شيبة تدل على وجوب السجدة عند عثمان على الجالس لها، سواء قصد السماع أو لم يقصده.
وقال الزهري لا تسجد إلا أن
(١٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 ... » »»