عمدة القاري - العيني - ج ٦ - الصفحة ٣٠١
هي: * (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم) * (الممتحنة: 12). وإنما تلا النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية الكريمة ليذكرهن البيعة التي وقعت بينه وبين النساء لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما فرغ من أمر الفتح اجتمع الناس للبيعة، فجلس بهم على الصفا، ولما فرغ من بيعة الرجال بايع النساء وذكر لهن ما ذكر الله في الآية المذكورة. قوله: (أنتن على ذلك) مقول القول، والخطاب للنساء أي: أنتن على ما ذكر في هذه الآية. قوله: (فقالت امرأة واحدة منهن) أي: من النساء. قوله: (نعم)، مقول القول أي: نعم نحن على ذلك. قوله: (لا يدري حسن من هي) أي: لا يدري حسن بن مسلم الراوي عن طاووس المذكور فيه من هي المرأة المجيبة، ووقع في رواية مسلم وحده: (لا يدري حينئذ من هي)، هكذا وقع في جميع نسخ مسلم، وكذا نقله القاضي عن جميع النسخ. قال: هو وغيره، وهو تصحيف وصوابه: (لا يدري حسن من هي)، كما في رواية البخاري قيل: يحتمل أن تكون هذه المرأة هي: أسماء بنت يزيد بن السكن التي تعرف بخطيبة النساء فإنها روت أصل هذه القصة في حديث أخرجه الطبراني، وغيره من طريق شهر بن حوشب: (عن أسماء بنت يزيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى النساء، وأنا معهن، فقال: يا معشر النساء إنكن أكثر حطب جهنم، فناديت رسول الله، وكنت عليه جريئة: لم يا رسول الله؟ قال: لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير). فلا يبعد أن تكون هي التي أجابته أولا: بنعم، فإن القصة واحدة. قلت: هذا تخمين وحسبان، ويحتمل إن يكون غيرها، وباب الاحتمال واسع. قوله: (قال: فتصدقن) هذه صيغة الأمر أمرهن صلى الله عليه وسلم بالصدقة، وهذه الصيغة تشترك فيها جماعة النساء من الماضي، ومن الأمر لهن ويفرق بينهما بالقرينة. فإن قلت: ما هذه الفاء فيها؟ قلت: يجوز أن تكون للجواب لشرط محذوف تقديره: إن كنتن على ذلك فتصدقن، ويجوز أن تكون للسببية. قوله: (ثم قال: هلم) أي: ثم قال بلال: ولفظ: هلم من أسماء الأفعال المتعدية نحو: هلم زيدا: أي: هاته وقربه، وهو مركب من: الهاء، و: لم، من: لممت الشيء جمعته، ويستوي فيه الواحد والمثنى والجمع والمذكر والمؤنث. تقول: هلم يا رجل، هلم يا رجلان، هلم يا رجال، هلم يا امرأة، هلم يا امرأتان، هلم يا نسوة. هذه لغة أهل الحجاز، وأما بنو تميم فيقولون: هلم هلما هلموا هلمي هلما هلممن، والأولى أفصح، ويجيء لازما أيضا، قال تعالى: * (والقائلين لإخوانهم هلم إلينا) * (الأحزاب: 18). قوله: (لكن)، بضم الكاف وتشديد النون، لأنه خطاب للنساء، فإذا وقع لفظ: هلم، متعديا تدخل عليه اللام، ويقال: هلم لك هلم لكما هلم لكم هلم لك بكسر الكاف، هلم لكما هلم لكن. قوله: (فداء) إذا كسر الفاء يمد ويقصر، وإذا فتح فهو مقصور، والفداء: فكاك الأسير. يقال: فداه يفديه فداء وفدى وفاداه يفاديه مفاداة، إذا أعطى فداءه وأنقذه، وفداه بنفسه وفداه إذا قال له: جعلت فداك. وقيل: المفاداة أن يفتك الإسير بأسير مثله. قوله: (فداء) مرفوع لأنه خبر لقوله: (أبي وأمي) عطف عليه، والتقدير: أبي وأمي مفدى لكن. قوله: (فيلقين)، بضم الياء من الإلقاء وهو الرمي. قوله: (الفتخ) منصوب لأنه مفعول: (يلقين). قوله: (والخواتيم) عطف عليه، والفتخ، بفتحتين: جمع فتخة، وقد فسرناها عن قريب، وفسرها عبد الرزاق بما ذكره في الكتاب، ولكن لم يذكر في أي شيء كانت تلبس، وقد ذكر ثعلب أنهن كن يلبسنها في أصابع الأرجل، ولهذا عطف عليها: الخواتيم، لأنها عند الإطلاق تنصرف إلى ما يلبس في الأيدي، وقد ذكرنا عن الخليل أن: الفتخ: الخواتيم التي لا فصوص لها، فعلى هذا يكون هذا من عطف العام على الخاص، والخواتيم جمع: ختام، أو خاتام، وهما لغتان في: خاتم.
ذكر ما يستفاد منه: فيه: استحباب وعظ النساء وتعليمهن أحكام الإسلام وتذكيرهن بما يجب عليهن، وما يستحب، وحثهن على الصدقة وتخصيصهن بذلك في مجلس منفرد، ومحل ذلك كله إذا أمنت الفتنة والمفسدة. وقال ابن بطال: أما إتيانه إلى النساء ووعظهن فهو خاص به عند العلماء، لأنه أب لهن وهم مجمعون أن الخطيب لا يلزمه خطبة أخرى للنساء ولا يقطع خطبته ليتمها عند النساء. وفيه: جواز التفدية بالأب والأم. وفيه: ملاطفة العامل على الصدقة بمن يدفعها إليه. وفيه: أن الصدقة من دوافع العذاب لأنه أمرهن بالصدقة ثم علل بأنهن أكثر أهل النار لما يقع منهن من كفران النعم وغير ذلك. وفيه: بذل النصيحة والإغلاظ بها لمن احتيج في حقه إلى ذلك. وفيه: جواز طلب الصدقة من الأغنياء للمحتاجين. وفيه: مبادرة تلك النسوة إلى الصدقة بما يعز عليهن من حليهن، مع ضيق الحال في ذلك الوقت، وفي ذلك
(٣٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 296 297 298 299 300 301 302 303 304 305 306 ... » »»