عمدة القاري - العيني - ج ٦ - الصفحة ٢٧٧
(فكأن النبي صلى الله عليه وسلم صدقه) أي: فيما قال عنهم. قوله: (جذعة)، بفتح الجيم والذال المعجمة والعين المهملة: الطاعنة في السنة الثانية، والذكر الجذع، وعن الأصمعي: الجذع من المعز لسنة ومن الضان لثمانية أشهر أو تسعة. وفي (الصحاح): والجمع جذعات. وفي (المحكم) الجذع الصغير السن. وقيل: الجذع من الغنم، تيسا كان أو كبشا: الداخل في السنة الثانية، وقيل: الجذع من الغنم لسنة والجمع جذعات وجذعان وجذاع والاسم: الجذوعة، وقيل: الجذوعة في الدواب والأنعام قبل أن يثنى بسنة، وفي (الموعب): الجذعة السمينة من الضان، والجمع: جذع، وعن عياض: الجذع ما قوي من الغنم قبل أن يحول عليه الحول فإذا تم له حول صار ثنيا. قوله: (فلا أدري) أي: هذا الحكم كان خاصا به أو عاما لجميع المكلفين، وهذا يدل على أن أنسا لم يبلغه. قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة). قوله: (الرخصة) أي: في تضحية الجذعة، والمراد منها: جذعة المعز، كما جاء في الرواية الأخرى: (عناقا جذعة)، والعناق من أولاد المعز.
ذكر ما يستفاد منه: فيه: أن من ذبح أضحيته قبل صلاة العيد فإنه لا يجوز، ووقت الأضحية يدخل بطلوع الفجر من يوم النحر، وقال إسحاق وأحمد وابن المنذر: إذا مضى من نهار يوم العيد قدر ما تحل فيه الصلاة والخطبتان جازت الأضحية، سواء صلى الإمام أو لم يصل، وسواء كان في المصر أو في القرى، وعندنا: لا يجوز لأهل الأمصار أن يضحوا حتى يصلي الإمام العيد، فأما أهل السواد فيذبحون بعد الفجر، ولا يشترط فيهم صلاة الإمام، واشترط الشافعي فراغ الإمام عن الخطبة، واشترط مالك نحر الإمام، واختلف أصحاب مالك في الإمام الذي لا يجوز أن يضحي قبل تضحيته، فقال بعضهم: هو أمير المؤمنين، وقال بعضهم: هو أمير البلد، وقال بعضهم: هو الذي يصلي بالناس صلاة العيد. وفيه: مواساة الجيران بالإحسان. وفيه: أن جواز التضحية بالجذعة من المعز اختص لأبي بردة، والإجماع منعقد على أن الجذعة من المعز لا تجوز بخلاف جذعة الضأن، وقد قلنا: إن المراد من الجذعة في الحديث الجذعة من المعز لا الجذعة من الضان، لما في رواية مسلم: (لا تذبحوا إلا مسنة)، وهي التثنية من كل شيء، ففيه تصريح بأنه: لا تجوز الجذعة من غير الضأن، وحكي عن الأوزاعي وعطاء جواز الجذع من كل حيوان حتى المعز، وكأن الحديث لم يبلغهما. وفيه: حجة لأبي حنيفة على وجوب الأضحية لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بإعادة أضحية من ذبحها قبل الصلاة، ولو لم تكن واجبة لما أمر بإعادتها عند وقوعها في غير محلها.
955 حدثنا عثمان قال حدثنا جرير عن منصور عن الشعبي عن البراء بن عازب رضي الله تعالى عنهما قال خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى بعد الصلاة فقال من صلى صلاتنا أو نسك نسكنا فقد أصاب النسك ومن نسك قبل الصلاة فإنه قبل الصلاة ولا نسك له فقال أبو بردة ابن نيار خال البراء يا رسول الله فإني نسكت شاتي قبل الصلاة وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب وأحببت أن تكون شاتي أول ما يذبح في بيتي فذبحت شاتي وتغديت قبل أن آتي الصلاة قال شاتك شاة لحم قال يا رسول الله فإن عندنا عناقا لنا جذعة هي أحب إلي من شاتين أفتجزي عني قال نعم ولن تجزي عن أحد بعدك..
مطابقته للترجمة في قوله: (وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب)، ولهذا إنه صلى الله عليه وسلم لم يعنف أبا بردة لما قال له: (تغديت قبل أن آتي الصلاة).
ذكر رجاله: وهم خمسة: الأول: عثمان بن أبي شيبة اسمه إبراهيم بن عثمان أبو الحسن العبسي الكوفي، أخو أبي بكر بن أبي شيبة، وهو أكبر من أبي بكر بثلاث سنين، مات في المحرم سنة تسع وثلاثين ومائتين. الثاني: جرير، بفتح الجيم: ابن عبد الحميد الضبي، أبو عبد الله الرازي، وقد تقدم. الثالث: منصور بن المعتمر الكوفي. الرابع: الشعبي عامر ابن شراحيل. الخامس: البراء بن عازب، رضي الله تعالى عنه.
ذكر لطائف إسناده: وفيه: التحديث بصيغة الجمع في موضعين. وفيه: العنعنة في ثلاثة مواضع. وفيه: القول في
(٢٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 282 ... » »»