عمدة القاري - العيني - ج ٥ - الصفحة ١٠٦
الله عليه وسلم، قال له: ألقها على بلال فليؤذن بها، قال: فسمع عمر الصوت، فخرج فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لقد رأيت مثل الذي رأى، فدل على أن عمر، رضي الله تعالى عنه، لم يكن حاضرا لما قص عبد الله بن زيد رؤياه، والظاهر أن إشارة عمر بإرسال رجل ينادي بالصلاة كانت عقيب المشاورة فيما يفعلونه، وأن رؤيا عبد الله بن زيد كانت بعد ذلك. قلت: أما حديث عبد الله بن زيد فأخرجه أبو داود: حدثنا محمد بن منصور الطوسي حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن محمد ابن إسحاق حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، قال: حدثنا أبي عبد الله ابن زيد قال: (لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به للناس لجمع الصلاة، طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده، فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصلاة. فقال: ألا أدلك على ما هو خير من ذلك؟ قال: فقلت له: بلى. فقال: تقول: الله أكبر، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة حي على الصلاة، حي على الفلاح حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. ثم استأخر غير بعيد، ثم قال: ثم تقول إذا أقمت إلى الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، فلما أصبحت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيته، فقال: إنها لرؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به، فإنه أندى صوتا منك، فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به، قال: فسمع ذلك عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، وهو في بيته، فخرج يجر رداءه يقول: والذي بعثك بالحق يا رسول الله، لقد رأيت مثل ما رأى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فلله الحمد)، وأخرجه الترمذي أيضا. فلم يذكر فيه كلمات الأذان ولا الإقامة. وقال: حديث حسن صحيح ورواه ابن ماجة أيضا فلم يذكر فيه لفظ الإقامة، وزاد فيه شعرا، فقال عبد الله بن زيد في ذلك * أحمد الله ذا الجلال وذا الإ * كرام حمدا على الأذان كثيرا * * إذا أتاني به البشير من الله * فألم به لدي بشيرا * * في ليال وافي بهن ثلا * ث، كلما جاء زادني توقيرا * وأخرج ابن حبان أيضا هذا الحديث في (صحيحه). ورواه أحمد في (مسنده) وقال أبو عمر ابن عبد البر: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة عبد الله بن زيد في بدء الأذان جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة ومعان متقاربة، وكلها تتفق على أمره عند ذلك. والأسانيد في ذلك من وجوه صحاح، وفي موضع آخر: من وجوه حسان، ونحن نذكر أحسنها، فذكر ما رواه أبو داود: حدثنا عباد بن موسى الختلي وحدثنا زياد بن أيوب، وحديث عباد أتم، قالا: أخبرنا هشيم عن أبي بشر، قال زياد: أخبرنا أبو بشر عن أبي عمير ابن أنس عن عمومة له من الأنصار قال: (اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها، فقيل له: أنصب راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها آذن بعضهم بعضا، فلم يعجبه ذلك، قال: فذكر له القنع، يعني: الشبور، وقال زياد: شبور اليهود. فلم يعجبه ذلك، وقال: هو من أمر اليهود، قال فذكر له الناقوس، فقال: هو من أمر النصارى، فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم لهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأري الأذان في منامه، قال: فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: يا رسول الله إني لبين نائم ويقظان إذ أتاني آت فأراني الأذان، قال: وكان عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما، قال: ثم أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما منعك أن تخبرنا؟ فقال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله ابن زيد فافعله، فأذن بلال). فأبو داود ترجم لهذا الحديث بقوله: باب بدء الأذان، فهذا الذي هو أحسن أحاديث هذا الباب، كما ذكره أبو عمر يقوي كلام القرطبي الذي ذكرناه آنفا، لأنه ليس فيه ما يخالف حديث عبد الله بن زيد بهذه الطريقة، لأنه لم يذكر فيها أن عمر سمع الصوت فخرج فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فدل بحسب الظاهر أن عمر، رضي الله تعالى عنه، كان حاضرا فهو يرد كلام بعضهم الذي ذكرناه عنه، وهو قوله: فدل على أن عمر لم يكن حاضرا لما قص عبد الله بن زيد رؤياه إلى آخر ما ذكره. فافهم.
ذكر ما يستفاد منه فيه: أن قوله: (قم يا بلال فناد أو فأذن)، يدل على مشروعية الأذان قائما، وأنه لا يجوز قاعدا،
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 109 109 ... » »»