عمدة القاري - العيني - ج ٥ - الصفحة ١٠٩
* أحمد الله ذا الجلال وذا الإ * كرام حمدا على الأذان كثيرا * * إذا أتاني به البشير من الله * فألم به لدي بشيرا * * في ليال وافي بهن ثلا * ث، كلما جاء زادني توقيرا * وأخرج ابن حبان أيضا هذا الحديث في (صحيحه). ورواه أحمد في (مسنده) وقال أبو عمر ابن عبد البر: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة عبد الله بن زيد في بدء الأذان جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة ومعان متقاربة، وكلها تتفق على أمره عند ذلك. والأسانيد في ذلك من وجوه صحاح، وفي موضع آخر: من وجوه حسان، ونحن نذكر أحسنها، فذكر ما رواه أبو داود: حدثنا عباد بن موسى الختلي وحدثنا زياد بن أيوب، وحديث عباد أتم، قالا: أخبرنا هشيم عن أبي بشر، قال زياد: أخبرنا أبو بشر عن أبي عمير ابن أنس عن عمومة له من الأنصار قال: (اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها، فقيل له: أنصب راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها آذن بعضهم بعضا، فلم يعجبه ذلك، قال: فذكر له القنع، يعني: الشبور، وقال زياد: شبور اليهود. فلم يعجبه ذلك، وقال: هو من أمر اليهود، قال فذكر له الناقوس، فقال: هو من أمر النصارى، فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم لهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأري الأذان في منامه، قال: فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: يا رسول الله إني لبين نائم ويقظان إذ أتاني آت فأراني الأذان، قال: وكان عمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه، قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما، قال: ثم أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما منعك أن تخبرنا؟ فقال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله ابن زيد فافعله، فأذن بلال). فأبو داود ترجم لهذا الحديث بقوله: باب بدء الأذان، فهذا الذي هو أحسن أحاديث هذا الباب، كما ذكره أبو عمر يقوي كلام القرطبي الذي ذكرناه آنفا، لأنه ليس فيه ما يخالف حديث عبد الله بن زيد بهذه الطريقة، لأنه لم يذكر فيها أن عمر سمع الصوت فخرج فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فدل بحسب الظاهر أن عمر، رضي الله تعالى عنه، كان حاضرا فهو يرد كلام بعضهم الذي ذكرناه عنه، وهو قوله: فدل على أن عمر لم يكن حاضرا لما قص عبد الله بن زيد رؤياه إلى آخر ما ذكره. فافهم.
ذكر ما يستفاد منه فيه: أن قوله: (قم يا بلال فناد أو فأذن)، يدل على مشروعية الأذان قائما، وأنه لا يجوز قاعدا، وهو مذهب العلماء كافة إلا أبا ثور، فإنه جوزه، ووافقه أبو الفرج المالكي، رحمه الله تعالى، واستضعفه النووي لوجهين: أحدهما: المراد بالنداء ههنا الإعلام. الثاني: المراد: قم واذهب إلى موضع بارز فناد فيه بالصلاة، وليس فيه تعرض للقيام في حال الأذان. قال النووي: ومذهبنا المشهور أنه سنة، فلو أذن قاعدا بغير عذر صح أذانه، لكن فاتته الفضيلة ولم يثبت في اشتراط القيام شيء. وفي كتاب أبي الشيخ، بسند لا بأس به عن وائل بن حجر، قال: حق وسنة مسنونة ألا يؤذن إلا وهو طاهر، ولا يؤذن إلا وهو قائم. وفي (المحيط): إن أذن لنفسه فلا بأس أن يؤذن قاعدا من غير عذر، مراعاة لسنة الأذان وعدم الحاجة إلى إعلام الناس، وإن أذن قاعدا لغير عذر صح، وفاتته الفضيلة، وكذا لو أذن قاعدا مع قدرته على القيام صح أذانه، وفيه: دليل على مشروعية طلب الأحكام من المعاني المستنبطة دون الاقتصار على الظواهر. وفيه: منقبة ظاهرة لعمر بن الخطاب، رضي الله تعالى عنه. وفيه: التشاور في الأمور المهمة، وأنه ينبغي للمتشاورين أن يقول كل منهم ما عنده، ثم صاحب الأمر يفعل ما فيه المصلحة. وفيه: التحين لأوقات الصلاة.
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 106 107 108 109 109 109 109 110 111 112 ... » »»