عمدة القاري - العيني - ج ٥ - الصفحة ٩٩
الصفة، هو موضع مظلل في المسجد كان للمساكين والغرباء، وهم الأوفاض، أي: الفرق والأخلاط من الناس يأوون إليه، وعد منهم أبو نعيم في (الحلية) مائة ونيفا. قوله: (كانوا أناسا) وفي رواية الكشميهني: (كانوا ناسا)، بلا ألف، والناس والأناس بمعنى واحد. قوله: (فليذهب بثالث)، أي: من أصحاب الصفة، هذا هو الصواب، وهو الأصح من رواية مسلم: (فليذهب بثلاثة)، لأن ظاهرها صيرورتهم خمسة، وحينئذ لا يمسك رمق أحد بخلاف الواحد مع الاثنين. وقال القرطبي: لو حملت رواية مسلم على ظاهرها فسد المعنى، وذلك أن الذي عنده طعام اثنين إذا أكله في خمسة لم يكف أحدا منهم، ولا يمسك رمقه، بخلاف الواحد مع الاثنين. وقال النووي: والذي في مسلم أيضا له وجه تقديره: فليذهب بمن يتم بثلاثة، أو بتمام ثلاثة، كما قال تعالى: * (وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام) * (فصلت: 10). أي: في تمام أربعة أيام. وقال ابن العربي: لم يقل صلى الله عليه وسلم أن طعام الاثنين يشبع الثلاثة. إنما قال: يكفي، وهو غير الشبع، وكانت المواساة إذ ذاك واجبة لشدة الحال. قوله: (وإن أربع فخامس أو سادس) أي: وإن كان عنده طعام أربع فليذهب بخامس أو بسادس، هذا وجه الجر في: خامس وسادس، ويروى برفعهما، فوجهه كذلك لكن بإعطاء المضاف إليه وهو أربع اعراب المضاف وهو: طعام، وبإضمار مبتدأ للفظ: خامس. وفي رواية مسلم: (من كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس بسادس). وقال الكرماني: فإن قلت: كيف يتصور السادس إذا كان يتصور السادس إذا كان عنده طعام أربع؟ قلت: معناه: فليذهب بخامس أو بسادس مع الخامس، والعقل يدل عليه، إذ السادس يستلزم خامسا، فكأنه قال فليذهب بواحد أو بإثنين، والحاصل أن: أو: لا تدل على منع الجمع بينهما، ويحتمل أن يكون معنى: أو سادس، وأن كان عنده طعام خمس فليذهب بسادس، فيكون من باب عطف الجملة على الجملة. وقال ابن مالك: هذا الحديث مما حذف فيه بعد: أن والفاء، فعلان وحرفا جر باق عملهما، وتقديره: وإن قام بأربعة فليذهب بخامس أو بسادس، وفي (التوضيح): كلمة: أو، للتنويع وقيل: للإباحة. قوله: (وانطلق النبي صلى الله عليه وسلم) قال هنا: انطلق، وعن أبي بكر قال: جاء لأن المجيء هو المشي المقرب إلى المتكلم. والانطلاق المشي المبعد عنه. قوله: (قال) أي: قال عبد الرحمن (فهو أنا وأبي وأمي) هذه رواية الكشميهني، وفي رواية المستملي: (فهو أنا وأمي). وقوله: وقوله هو ضمير الشان وانا مبتدأ وأبي وأمي عطف عليه وخبره محذوف يدل عليه السياق قوله (ولا أدري) كلام أبي عثمان النهدي الراوي قوله (وخادم)، بالرفع عطف على: امرأتي، على تقدير: أن يكون لفظ: امرأتي موجودا فيه، وإلا فهو عطف على: أمي، قوله: (بين بيتنا وبيت أبي بكر) هكذا هو في رواية أبي ذر، والرواية المشهورة: (بيننا وبين أبي بكر) يعني: مشترك خدمتها بيننا وبين أبي بكر. وقوله: بين، ظرف لخادم. قوله: (تعشى) أي: أكل العشاء، وهو بفتح العين: الطعام الذي يؤكل آخر النهار. قوله: (ثم لبث) أي: في داره. قوله: (حتى صليت)، بلفظ المجهول، وهذه رواية الكشميهني، يعني لفظ: حتى، وفي رواية غيره: (حيث صليت)، قوله: (العشاء) أي: صلاة العشاء. قوله: (ثم رجع) أي: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي (صحيح) الإسماعيلي، (ثم ركع)، بالكاف أي: صلى النافلة بعد العشاء، فدل هذا على أن قول البخاري: ثم رجع، ليس مما اتفق عليه الرواة. قوله: (حتى تعشى النبي صلى الله عليه وسلم)، وعند مسلم: (حتى نعس النبي صلى الله عليه وسلم)، قوله: (قالت له) أي لأبي بكر (امرأته) وهي: أم رومان، بضم الراء وفتحها. وقال السهيلي: اسمها: دعد، وقال غيره: زينب، وهي من بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة. قوله: أو ضيفك) شك من الراوي، وقال الكرماني: قوله: (ضيفك). فأن قلت: هم كانوا ثلاثة، فلم أفرد؟ قلت: هو لفظ الجنس يطلق على القليل والكثير، أو مصدر يتناول المثنى والجمع. انتهى. قلت: هذا السؤال على أن نسخته كانت: ضيفك، بدون. قوله: (أضيافك)، ولكن قوله: أو مصدر، غير صحيح لفساد المعنى. قوله: (أوما عشيتيهم) الهمزة للاستفهام، والواو للعطف على مقدر بعد الهمزة. ويروى: عشيتهم، بالياء الحاصلة من إشباع الكسرة. قوله: (أبوا) أي: امتنعوا، وامتناعهم من الأكل رفقا به لظنهم أنه لا يجد عشاء، فصبروا حتى يأكل معهم. قوله: (قد عرضوا) بفتح العين أي: الأهل من: الابن والمرأة والخادم. وفي رواية (فعرضنا عليهم)، ويروى: (قد عرضوا) على صيغة المجهول، ويروى: (قد عرصوا)، بالصاد المهملة. وقال ابن التين: لا أعلم وجها، ويحتمل أن يكون من: عرص إذا نشط، فكأن أهل البيت نشطوا في العزيمة عليهم، وقال الكرماني: وفي بعض النسخ بضم العين أي: عرض الطعام على الأضياف، فحذف الجار وأوصل الفعل، أو هو من باب القلب، نحو: عرضت الحوض على الناقة. قوله: (قال فذهبت)، أي: قال عبد الرحمن. قوله: (فاختبأت أي: اختفيت، وكان اختفاؤه خوفا من خصام
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»