عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ٨١
أصحاب الشافعي حكاه الرافعي عنه، وقال ابن حزم في (المحلى): والعورة المفروض سترها عن الناظر وفي الصلاة من الرجال الذكر وحلقة الدبر فقط، وليس الفخذ منه عورة، وهي من المرأة جميع جسدها حاشا الوجه والكفين فقط، الحر والعبد والحرة والأمة سواء في ذلك، ولا فرق. ثم قال، بعد أن روى حديث أنس الذي أخرجه البخاري: (إن رسول ا عليه الصلاة والسلام، غزا خيبر...) وفيه: (... ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني أنظر إلى بياض فخذ النبي عليه الصلاة والسلام). فصح أن الفخذ من الرجل ليس بعورة، ولو كان عورة لما كشفها ا تعالى من رسوله المطهر المعصوم من الناس في حال النبوة والرسالة، ولا أراها أنس بن مالك ولا غيره، وهو تعالى عصمه من كشف العورة في حال الصبا، وقبل النبوة.
وأما الآخرون الذين هم خالفوهم وقالوا: الفخذ عورة، فهم جمهور العلماء من التابعين ومن بعدهم، منهم: أبو حنيفة ومالك في أصح أقواله والشافعي وأحمد في أصح روايتيه وأبو يوسف ومحمد وزفر بن الهذيل، حتى قال أصحابنا: إن الصلاة مكشوف العورة فاسدة. وقال الأوزاعي: الفخذ عورة إلا في الحمام، وقال ابن بطال: أجمعوا على أن من صلى مكشوف العورة لا إعادة عليه. قلت: دعوى الإجماع غير صحيحة، فيكون مراده إجماع أهل مذهبه.
وفي (التوضيح): حاصل ما في عورة الرجل عندنا خمسة أوجه. أصحها وهو المنصوص أنها: ما بين السرة والركبة، وهما ليستا بعورة، وهو صحيح مذهب أحمد بن حنبل، وقال به زفر ومالك. وثانيها: أنهما عورة، كما هو رواية عن أبي حنيفة. وثالثها: السرة من العورة. ورابعها: عكسه. وخامسها: للإصطخري: القبل والدبر، وهو شاذ. انتهى. وفي (الوبري): السرة من العورة عند أبي حنيفة. وفي (المفيد): الركبة مركبة من عظم الفخذ والساق، فاجتمع الحظر والإباحة فغلب الحظر احتياطا.
وأما الجواب عن حديث أنس فهو أنه محمول على غير اختيار الرسول فيه بسبب ازدحام الناس، يدل عليه مس ركبة أنس فخذه. وقال القرطبي: ويرجح حديث جرهد وهو أن تلك الأحاديث المعارضة له قضايا معينة في أوقات وأحوال مخصوصة، يتطرق إليها الاحتمال ما لا يتطرق لحديث جرهد، فإنه أعطى حكما كليا، فكان أولى. وبيان ذلك أن تلك الوقائع تحتمل خصوصية النبي بذلك، أو البقاء على البراءة الأصلية، أو كأن لم يحكم عليه في ذلك الوقت بشيء، ثم بعد ذلك حكم عليه بأنه عورة. فإن قلت: روى الطحاوي، وقال؛ حدثنا ابن مرزوق، قال: حدثنا أبو عاصم عن ابن جريج، قال: أخبرني أبو خالد عن عبد ا بن سعيد المديني، قال: حدثتني حفصة بنت عمر قالت: (كان رسول الله ذات يوم قد وضع ثوبه بين فخذيه، فجاء أبو بكر فاستأذن فأذن له النبي على هيئته، ثم جاء عمر بمثل هذه الصفة، ثم جاء أناس من أصحابه والنبي على هيئته، ثم جاء عثمان فاستأذن عليه فأذن له ثم أخذ رسول الله ثوبه فجلله، فتحدثوا ثم خرجوا. فقلت: يا رسول ا جاء أبو بكر وعمر وعلي وأناس من أصحابك وأنت على هيئتك، فلما جاء عثمان جللت بثوبك؟ فقال: (أو لا أستحي ممن تستحي منه الملائكة؟) قالت: وسمعت أبي وغيره يحدثون نحوا من هذا. وأخرجه أحمد والطبراني أيضا. قلت: أجاب الطحاوي عنه: بأن هذا الحديث عن قاسم بن زكريا على هذا الوجه غريب، لأن جماعة من أهل البيت رووه على غير هذا الوجه المذكور، وليس فيه. ذكر: كشف الفخذين، فحينئذ لا تثبت به الحجة. وقال أبو عمر: الحديث الذي رووه عن حفصة فيه اضطراب. وقال البيهقي: قال الشافعي: والذي روي في قصة عثمان من كشف الفخذين مشكوك فيه. وقال الطبري في كتاب (تهذيب الآثار والأخبار): التي رويت عن النبي أنه دخل عليه أبو بكر وعمر وهو كاشف فخذه واهية الأسانيد لا يثبت بمثلها حجة في الدين، والأخبار الواردة بالأمر بتغطية الفخذ والنهي عن كشفها أخبار صحاح. وقول الطحاوي: لأن جماعة من أهل البيت رووه على غير هذا الوجه، حديث عائشة وعثمان أخرجه مسلم: حدثنا عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد، قال: حدثنا بي عن جدي، قال: حدثنا عقيل بن خالد عن ابن شهاب: (عن يحيى بن سعيد بن العاص أن سعيد بن العاص أخبره إن عائشة، زوج النبي، وعثمان رضي ا تعالى عنه، حدثاه: أن أبا بكر استأذن على رسول الله وهو مضطجع على فراشه، لابس مرط عائشة، فأذن لأبي بكر وهو كذلك، فقضى إليه حاجته ثم انصرف، ثم استأذن عمر رضي ا تعالى عنه، فأذن له وهو على تلك الحالة، فقضى إليه حاجته ثم انصرف. قال عثمان: ثم استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة: إجمعي عليك ثيابك، فقضيت إليه حاجتي ثم انصرفت، فقالت عائشة يا رسول ا ما لي لم أرك، فزعت لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان؟ قال رسول ا: (إن عثمان رجل حيي، وإني خشيت: إن أذنت له على تلك الحالة أن لا
(٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 ... » »»