عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ٨٠
عن ابن أبي عمر قال: حدثنا سفيان عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد ا عن زرعة بن مسلم بن جرهد الأسلمي عن جده جرهد قال: (مر النبي، بجرهد في المسجد وقد انكشف فخذه، وقال: إن الفخذ عورة)، هذا حديث حسن ما أرى إسناده بمتصل. وقال: حدثنا الحسن بن علي، قال: حدثني عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن أبي الزناد، قال: أخبرني ابن جرهد عن أبيه: (أن النبي، مر به وهو كاشف عن فخذه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: غط فخذك فإنها من العورة). هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه عن واصل من حديث ابن عباس أيضا، وقد ذكرناه ورواه الشافعي عن سفيان عن أبي الزناد عن آل جرهد، ولما ذكره ابن القطان أعله بالاضطراب وبجهالة حال الراوي عن جرهد، ولما ذكره البخاري في (تاريخه) من حديث ابن أبي الزناد عن زرعة عن عبد الرحمن عن جده قال: ورواه صدقة عن ابن عيينة عن أبي الزناد عن آل جرهد، وعن سالم أبي النضر عن زرعة بن مسلم بن جرهد عن جرهد، قال البخاري؛ ولا يصح. وقال ابن الحذاء: إنما لم يخرجه البخاري في مصنفه لهذا الاختلاف، و: جرهد، بفتح الجيم وسكون الراء وفتح الهاء، وفي آخره دال مهملة. وفي (التهذيب): جرهد الأسلمي هو ابن رزاح بن عدي، وقيل: غير ذلك، له صحبة، عداده في أهل المدينة، له عن النبي، حديث واحد: (الفخذ عورة) وفي إسناد حديثه اختلاف كثير، يقال: إنه مات سنة إحدى وستين. وقال أبو عمر: جعل ابن أبي حاتم: جرهد بن خويلد غير جرهد بن رزاح، ثم قال: هذا وهم، وهو رجل واحد من أسلم لا يكاد يسلم، له صحبة.
وأما حديث محمد بن جحش فرواه الطبراني عن يحيى بن أيوب عن سعيد بن أبي مريم عن محمد بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبي كثير، مولى محمد بن جحش، عنه قال: (كنت أصلي مع النبي، فمر على معمر وهو جالس عند داره بالسوق وفخذاه مكشوفتان فقال: يا معمر غط فخذيك فإن الفخذين عورة). وقال ابن حزم: رواية أبي كثير مجهولة، وذكره البخاري في (تاريخه) وأشار إلى الاختلاف فيه، ورواه أحمد في (مسنده) والحاكم في (مستدركه) من طريق إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبي كثير مولى محمد بن جحش عنه، ومحمد بن جحش هو محمد بن عبد ا بن جحش، نسب إلى جده، له ولأبيه عبد ا صحبة، وزينب بنت جحش أم المؤمنين هي عمته، وكان محمد صغيرا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، وقد حفظ عنه. وقال الواقدي: كان مولده قبل الهجرة لخمس سنين، هاجر مع أبيه إلى المدينة، له صحبة. وا أعلم.
وأما معمر المذكور في الحديث المذكور فهو ابن عبد ا بن فضلة العدوي، وقد أخرج ابن نافع هذا الحديث من طريقه أيضا.
وقال أنس حسر النبي عن فخذه.
13 هذا أيضا تعليق، ولكنه قد وصله في هذا الباب كما يأتي قريبا، وحسر، بفتح حروفها المهملات، ومعناه: كشف، وسنتكلم فيه مستقصى عن قريب.
وحديث أنس أسند، وحديث جرهد أحوط، حتى نخرج من اختلافهم.
لما وقع الخلاف في الفخذ: هل، هو عورة أم لا؟ فذهب قوم إلى أنه ليس بعورة، واحتجوا بحديث أنس، وذهب آخرون إلى أنه عورة، واحتجوا بحديث جرهد، وبما روي مثله في هذا الباب، كأن قائلا قال؛ إن الأصل أنه إذا روي حديثان في حكم أحدهما أصح من الآخر فالعمل يكون بالأصح، فههنا حديث أنس أصح من حديث جرهد ونحوه، فكيف وقع الاختلاف؟ فأجاب البخاري عن هذا بقوله: (وحديث أنس أسند) إلى آخره تقديره: أن يقال: نعم، حديث أنس أسند، يعني أقوى وأحسن سندا من حديث جرهد، إلا أن العمل بحديث جرهد لأنه الأحوط، يعني أكثر احتياطا في أمر الدين، وأقرب إلى التقوى، للخروج عن الاختلاف، وهو معنى قوله: (حتى نخرج من اختلافهم) أي: من اختلاف العلماء، وهو على صيغة جماعة المتكلم من المضارع، بفتح النون وضم الراء.
ولأجل هذه النكتة لم يقل البخاري: باب الفخذ عورة، ولا قال أيضا: باب الفخذ ليس بعورة، بل قال: باب ما يذكر في الفخذ، أما القوم الذين ذهبوا إلى أن الفخذ ليس بعورة فهم: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب وإسماعيل بن علية ومحمد بن جرير الطبري وداود الظاهري وأحمد، في رواية، ويروى ذلك أيضا عن الإصطخري من
(٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 ... » »»