عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ٤٤
كما هو نص القرآن. قلت: يحتمل أن الجنة كانت في جهة يمين آدم والنار في جهة شماله، وكان يكشف له عنهما، ويحتمل أن يقال: إن النسم المرئية هي لم تدخل الأجساد بعد، وهي مخلوقة قبل الأجساد ومستقرها عن يمين آدم وشماله، وقد أعلمه ا بما يصيرون إليه، فلذلك كان يستبشر إذا نظر إلى من عن يمينه، ويحزن إذا نظر إلى من عن يساره. قوله: (قال أنس: فذكر)، ويروى: (فقال أنس: فذكر)، أي أبو ذر.
قوله: (أنه) أي: أن النبي. قوله: (ولم يثبت) من الإثبات أي: لم يعين أبو ذر لكل نبي سماء معينا غير ما ذكر أنه وجد آدم في السماء الدنيا، وإبراهيم في السادسة، وفي (الصحيحين): من حديث أنس عن مالك بن صعصة أنه وجد في السماء الدنيا آدم كما سلف في حديث أبي ذر، وفي الثانية يحيى وعيسى، وفي الثالثة يوسف، وفي الرابعة إدريس، وفي الخامسة، هارون وفي السادسة موسى، وفي السابعة إبراهيم، وهو مخالف لرواية أنس عن أبي ذر أنه وجد إبراهيم في السادسة، وكذا جاء في صحيح مسلم. وأجيب: بأن الإسراء إن كان مرتين فيكون رأى إبراهيم في إحداهما في إحدى السمائين، ويكون استقراره بها ووطنه، وفي الثانية في سماء غير وطنه، وإن كان مرة فيكون أولا رآه في السماء السادسة، ثم ارتقى معه إلى السابعة، ويقال: إن المعراج إذا كان مرة فالأرجح رواية الجماعة بقوله فيها أنه رآه مسندا ظهره إلى البيت المعمور، وهو في السابعة بلا خلاف، وقول هذا القائل: بلا خلاف، غير صحيح، لأن فيه خلافا، روي عن ابن عباس ومجاهد والربيع أنه في السماء الدنيا، وروي عن علي رضي ا عنه، أنه عند شجرة طوبى في السادسة، وروي عن مجاهد والضحاك أنه في السابعة.
فإن قلت: كيف يجمع بين هذه الأقوال وفيها منافاة قلت: لا منافاة بينهما، لأنه يحتمل أن ا رفعه ليلة المعراج إلى السماء السادسة عند سدرة المنتهى، ثم إلى السابعة تعظيما للنبي حتى يراه في أماكن، ثم أعاده إلى السماء الدنيا. وفي (تفسير النسفي) البيت المعمور حذاء العرش بحيال الكعبة يقال له: الضراح، حرمته في السماء كحرمة الكعبة في الأرض، يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة يطوفون به ويصلون فيه ثم لا يعودون إليه أبدا، وخادمه ملك يقال له: رزين. وقيل: كان في الجنة فحمل إلى الأرض لأجل آدم، ثم رفع إلى السماء أيام الطوفان. قلت: الضراح، بضم الضاد المعجمة وبالحاء المهملة. وقال الصغاني: ويقال له: الضريح أيضا.
قوله: (قال أنس)، ظاهره أن هذه القطعة لم يسمعها أنس من أبي ذر. قوله: (قال ابن شهاب) هو محمد بن مسلم بن شهاب الزهري. قوله: (ابن حزم) هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري النجاري المدني، وأبوه محمد، ولد في عهد رسول ا، وأمر أباه أن يكتبه بأبي عبد الملك، وكان فقيها فاضلا، قتل يوم الحرة وهو ابن ثلاث وخمسين سنة، وهو تابعي، وذكر ابن الأثير في الصحابة ولم يسمع الزهري منه لتقدم موته. قوله: (وأبا حبة)، بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة، وهو المشهور. وقال القابسي: بالياء آخر الحروف، وغلطوه في ذلك. وقال الواقدي بالنون، واختلف في اسمه، فقال أبو زرعة: عامر، وقيل: عمر، وقيل: ثابت، وقال الواقدي: مالك. قالوا: في هذا الإسناد وهم لأن المراد بابن حزم أما أبو بكر، فهو لم يدرك أبا حبة، وأما محمد فهو لم يدركه الزهري. وأجيب: بأن حزم روى مرسلا حيث نقل بكلمة: ان، عنهما، ولم يقل نحو: سمعت وأخبرني، فلا وهم فيه، وهكذا أيضا في (صحيح مسلم). قوله: (حتى ظهرت) أي: علوت وارتفعت، ومنه قوله:
* والشمس في حجرتها لم تظهر * قوله: (لمستوى) بفتح الواو، وقال الخطابي: المراد به المصعد، وقال النضر بن شميل: أتيت أبا ربيعة الأعرابي وهو على السطح، فقال: استوي: اصعد. وقيل: هو المكان المستوي. قوله: (صريف الأقلام) بفتح الصاد المهملة، وهو تصويتها حال الكتابة. وقال الخطابي: هو صوت ما تكتبه الملائكة من أقضية ا تعالى ووحيه، وما ينسخونه من اللوح المحفوظ، أو ما شاء ا تعالى من ذلك أن يكتب ويرفع لما أراده ا من أمره وتدبيره في خلقه، سبحانه وتعالى، لا يعلم الغيب إلا هو الغني عن الاستذكار بتدوين الكتب والاستثبات بالصحف، أحاط بكل شيء علما، وأحصى كل شيء عددا. قوله: (قال ابن حزم)، أي: عن شيخه، وأنس بن مالك أي: عن أبي ذر، وقال الكرماني: الظاهر أنه من جملة مقول ابن شهاب، ويحتمل أن يكون تعليقا من البخاري، وليس بين أنس وبين رسول الله ذكر أبي ذر، ولا بين ابن حزم ورسول الله ذكر ابن عباس وأبي حبة فهو إما من قبيل المرسل، وإما أنه ترك الواسطة اعتمادا على ما تقدم آنفا، مع أن الظاهر من حال الصحابي أنه إذا قال: قال رسول ا، يكون بدون الواسطة، فلعل أنسا سمع هذا البعض من الحديث من رسول ا، والباقي سمعه من أبي ذر؟.
قوله: (ففرض ا على أمتي خمسين صلاة) وفي رواية ثابت عن أنس عند مسلم؛ (ففرض ا علي خمسين صلاة كل يوم وليلة)، ونحوه في رواية مالك بن صعصعة عند
(٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 ... » »»