عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ٤٢
بن صالح عن عنبسة عن يونس عن ابن شهاب، قال: قال أنس: عن أبي ذر، وأخرجه أيضا في باب قوله: * (وكلم ا موسى تكليما) * (النساء: 461) في أواخر الكتاب عن عبد العزيز بن عبد ا عن سليمان عن شريك بن عبد ا عن أنس بن مالك. وأخرجه مسلم في الإيمان عن حرملة بن يحيى عن ابن وهب، وعن أبي موسى عن ابن أبي عدي، وعنه عن معاذ بن هشام. وأخرجه الترمذي في التفسير عن محمد بن بشار عن غندر. وأخرجه النسائي في الصلاة عن يعقوب بن إبراهيم الدورقي، وقد روى هذا الحديث جماعة من الصحابة، لكن طرقه في الصحيحين دائرة عن أنس مع اختلاف أصحابه عنه، فرواه الزهري عن أبي ذر كما في هذا الباب، ورواه قتادة عنه عن مالك بن صعصعة، ورواه شريك بن أبي نمر وثابت البناني عنه عن النبي بلا واسطة، وفي سياق كل منهم ما ليس عند الآخر. وأخرجه النسائي أيضا من طرق كثيرة عن أنس.
ذكر لغاته ومعانيه: قوله: (فرج عن سقف بيتي)، بضم الفاء وكسر الراء وبالجيم أي: فتح فيه فتح، وروي: (فشق)، فإن قلت: كان البيت لأم هانىء، فكيف قال: بيتي، بإضافته إلى نفسه؟ قلت: إضافة إليه بأدنى ملابسة، وهذا كثير في كلام العرب، كما يقول أحد حاملي الخشبة للآخر: خذ طرفك. فإن قلت: روي أيضا أنه كان في الحطيم، فكيف الجمع بينهما؟ قلت: أما على كون العروج مرتين فظاهر، وأما على كونه مرة واحدة فلعله، بعد غسل صدره دخل بيت أم هانىء ومنه عرج به إلى السماء، والحكمة في دخول الملائكة من وسط السقف ولم يدخلوا من الباب، كون ذلك أوقع صدقا في القلب فيما جاؤوا به. قوله: (ففرج صدري)، بفتح الفاء والراء والجيم، وهو فعل ماض، أي: شقه، ويروى: (شرح صدر)، ومنه: شرح ا صدره. فإن قلت: ذكر في سير ابن إسحاق: شق صدره وهو مسترضع في بني سعد عند حليمة، ورجحه عياض. قلت: أجاب السهيلي بأن ذلك وقع مرتين، والحكمة في الشق الأول نزع العلقة التي قيل له، عند نزعها: (هذا حظ الشيطان منك). وفي الثاني: ليكون مستعدا للتلقي لما حصل له في تلك الليلة. وقد روى الطيالسي والحارث في (مسنديهما) من حديث عائشة: أن الشق وقع مرة أخرى عند مجيء جبرائيل عليه السلام، إليه بالوحي في غار حراء، وفي (الدلائل) لأبي نعيم، (والأحاديث الجياد) للضياء محمد بن عبد الواحد: أن صدره شق وعمره عشر سنين. قوله: (ثم غسله بماء زمزم) الغسل: طهور، والطهور: شطر الإيمان، وزمزم، غير منصرف: اسم للبئر التي في المسجد الحرام. قوله: (بطست) بفتح الطاء وسكون السين المهملة وفي آخره تاء مثناة من فوق، وقال ابن سيده؛ الطس والطسة والطسة، معروف، وجمع: الطس أطساس وطسوس وطسيس، وجمع: الطسة والطسة طساس، ولا يمنع أن يجمع الطسة على طسيس، بل ذلك قياسه، والطساس بائع الطسوس، والطساسة حرفته، وعن أبي عبيدة: الطست فارسي. قلت: هو في الفارسية بالشين المعجمة. وقال الفراء: طي تقول: طست، وغيرهم يقول: طس، وهذا يرد ما حكاه ابن دحية، قال الفراء: يقال: الطسة، أكثر في كلام العرب، والطس، ولم يسمع من العرب: الطست، وفي كتاب (التذكير والتأنيث) لابن الأنباري، يقال: الطست، بفتح الطاء وكسرها، قاله أبو زيد، وقال ابن قرقول: طس، بالفتح والكسر والفتح أفصح، وهي مؤنثة، وخص الطست بذلك دون بقية الأواني لأنه آلة الغسل عرفا. قوله: (من ذهب) ليس فيه ما يوهم استعمال آنية الذهب لنا، فإن ذلك فعل الملائكة واستعمالهم وليس بلازم أن يكون حكمهم حكمنا، أو لأن ذلك كان أول الأمر قبل استعمال الأواني من النقدين، لأنه كان على أصل الإباحة، والتحريم إنما كان بالمدينة، وإنما كان من ذهب لأنه أعلى أواني الجنة، وهو ورأس الأثمان، وله خواص منها: أنه لا تأكله النار في حال التعليق، ولا تأكله الأرض، ولا تغيره، وهو أنقى كل شيء وأصفاه، ويقال في المثل: أنقى من الذهب، وهو بيت الفرح والسرور. وقال الشاعر:
* صفراء لا تنزل الأحزان ساحتها * لو مسها حجر مسته سراء * وهو أثقل الأشياء فيجعل في الزئبق الذي هو أثقل الأشياء فيرسب، وهو موافق لثقل الوحي، وهو عزيز، وبه يتم الملك. قوله: (ممتلئ حكمة وإيمانا) الحكمة: اسم من حكم بضم عين الفعل أي: صار حكيما، وصاحب الحكمة. المتقن للأمور، وأما: حكم، بفتح عين الفعل، فمعناه: قضى، ومصدره: حكم بالضم، والحكم أيضا: الحكمة بمعنى: العلم، والحكيم: العالم، وزعم النووي: أن الحمكة فيها أقوال مضطربة، صفي لنا منها أن الحكمة عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتملة على المعرفة با تعالى، المصحوب
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»