عمدة القاري - العيني - ج ٤ - الصفحة ٤٨
وليس بلازم أن يكون حكمهم كحكمنا، ويحتاج أيضا إلى ثبوت كونهم مكلفين بما كلفنا به، ومع هذا كان هذا على أصل الإباحة وتحريم استعمال النقدين كان بالمدينة.
ومنها: أن قوما استدلوا بالنقض على أنه يجوز نسخ العبادة قبل العمل بها، وأنكر أبو جعفر النحاس هذا القول من وجهين. أحدهما: البناء على أصله ومذهبه في أن العبادة لا يجوز نسخها قبل العمل بها، لأن ذلك عنده من البداء، والبداء على ا سبحانه وتعالى محال. الثاني: أن العبادة، وإن جاز نسخها قبل العمل بها عند من يراه، فليس يجوز عند أحد نسخها قبل هبوطها إلى الأرض ووصولها إلى المخاطبين. قال: وإنما ادعى النسخ فيها القاشاني ليصحح بذلك مذهبه في أن البيان لا يتأخر. قال أبو جعفر: وهذا إنما هي شفاعة شفعها رسول الله لأمته، ومراجعة راجعها ربه ليخفف عن أمته، ولا يسمى نسخا. وقال السهيلي: قول أبي جعفر: وذلك بداء، ليس بصحيح، لأن حقيقة البداء أن يبدو للآمر رأي يتبين الصواب فيه بعد أن لم يكن تبينه، وهذا محال في حق ا تعالى، والذي يظهر أنه نسخ ما وجب على النبي عليه الصلاة والسلام، من أدائها، ورفع عنه استمرار العزم واعتقاد الوجوب، وهذا نسخ على الحقيقة، نسخ عنه ما وجب عليه من التبليغ، فقد كان في كل مرة عازما على تبليغ ما أمر به ومراجعته، وشفاعته لا تنفي النسخ، فإن النسخ قد يكون عن سبب معلوم، فشفاعته كان سببا للنسخ لا مبطلة لحقيقته، ولكن المنسوخ ما ذكرناه من حكم التبليغ الواجب عليه قبل النسخ، وحكم الصلوات في خاصته، وأما أمته فلم ينسخ عنهم حكم إذ لا يتصور نسخ الحكم قبل وصوله إلى المأمور.
والوجه الثاني: أن يكون هذا خبرا لا تعبدا، فإذا كان خبرا لا يدخله النسخ، ومعنى الخبر أنه أخبره ربه أن على أمته خمسين صلاة، ومعناه أنها في اللوح المحفوظ خمسون، فتأولها عليه الصلاة والسلام، على أنها خمسون بالفعل، فبينها له ربه تعالى عند مراجعته أنها في الثواب لا في العمل. ومنها: وجوب الصلوات الخمس، والباب معقود لهذا، وقال ابن بطال: أجمعوا على أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء. وقال ابن إسحاق: ثم إن جبريل عليه السلام، أتى فهمز بعقبه في ناحية الوادي فانفجرت عين ماء مزن، فتوضأ جبريل عليه السلام، ومحمد عليه السلام، ينظر، فرجع رسول الله فأخذ بيد خديجة رضي ا تعالى عنها، ثم أتى بها العين فتوضأ كما توضأ جبريل عليه السلام، ثم صلى هو وخديجة ركعتين كما صلى جبريل عليه الصلاة والسلام. وقال نافع بن جبير: أصبح النبي، ليلة الإسراء فنزل جبريل حين زاغت الشمس فصلى به وقال جماعة: لم تكن صلاة مفروضة قبلها، إلا ما كان أمر به من قيام الليل من غير تحديد ركعات ووقت حضور، وكان يقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه. ومنها: أن أرواح المؤمنين يصعد بها إلى السماء. ومنها: أن أعمال نبي آدم الصالحة تسر آدم وأعمالهم السيئة تسوءه. ومنها: أنه يجب أن يرحب بكل أحد من الناس في حين لقائه بإكرام النازل، وأن يلاقيه بأحسن صفاته، وأعمها بجميل الثناء عليه. ومنها: أن أوامر ا تعالى تكتب بأقلام شتى، وأن العلم ينبغي أن يكتب بأقلام كثيرة، تلك سنة ا في سماواته، فكيف في أرضه؟ ومنها: أن ما قضاه وأحكمه من آثار معلومة وآجال مكتوبة وشبه ذلك مما لا يبدل لديه، وأما ما نسخه رفقا لعباده فهو الذي قال فيه * (يمحو ا ما يشاء ويثبت) * (الرعد: 93).
الأسئلة والأجوبة فمنها ما قيل: ما وجه اعتناء موسى عليه الصلاة والسلام، بهذه الأمة من بين سائر الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، الذين رآهم النبي ليلة الإسراء؟ وأجيب: لما ورد أنه قال: يا رب اجعلني من أمة محمد، لما رأى من كرامتهم، على ربهم، فكان اعتناؤه بأمرهم وإشفاقه عليهم كما يعتني بالقوم من هو منهم. وقال الداودي؛ إنما كان ذلك من موسى لأنه أول من سبق إليه حين فرضت الصلاة، فجعل ا في قلب موسى عليه الصلاة والسلام، ذلك ليتم ما سبق من علم ا تعالى.
ومنها ما قيل: ما معنى نقص الصلاة عشرا بعد عشر؟ وأجيب: ليس كل الخلق يحضر قلبه في الصلاة من أولها إلى آخرها، وقد جاء أنه يكتب له ما حضر قلبه منها، وأنه يصلي فيكتب له نصفها وربعها حتى انتهى إلى عشرها، ووقف، فهي خمس في حق من يكتب له عشرها، وعشر في حق من يكتب له أكثر من ذلك، وخمسون في حق من كملت صلاته بما يلزمه من تمام خشوعها وكمال سجودها وركوعها.
ومنها ما قيل: إن النبي كيف رأى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، في السماوات ومقرهم في الأرض؟ وأجيب: بأن ا تعالى شكل أرواحهم على هيئة صور أجسادهم. ذكره ابن عقيل، وكذا ذكره ابن التين، وقال: وإنما تعود الأرواح إلى الأجساد يوم البعث إلا عيسى عليه الصلاة والسلام، فإنه حي لم يمت، وهو ينزل إلى الأرض. قلت: الأنبياء أحياء، فقد رآهم النبي حقيقة، وقد مر على موسى عليه الصلاة والسلام، وهو قائم يصلي في قبره، ورآه في السماء السادسة.
ومنها ما قيل: ما الحكمة في أنه عين من الأنبياء آدم
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»