عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ١٠٩
هذا عطف على ما قبله، والتقدير: وباب من لم ير من النعسة... إلى آخره، والنعسة: على وزن فعلة: مرة من النعس، من باب: نعس، بفتح العين، ينعس: بضمها من باب: نصر ينصر؛ ومن قال: نعس، بضم العين فقد أخطأ. وفي (الموعب): وبعض بني عامر يقول: ينعس، بفتح العين. يقال: نعس ينعس نعسا ونعاسا فهو ناعس ونعسان. وامرأة نعسى. وقال ابن السكيت وثعلب: لا يقال: نعسان، وحكى الزجاج عن الفراء أنه قال: قد سمعت: نعسان، من أعرابي من عنزة، قال: ولكن لا أشتهيه. وعن صاحب (العين) أنه قال: وسمعناهم يقولون: نعسان ونعسى، حملوه على: وسنان ووسنى. وفي (المحكم): النعاس النوم. وقيل: ثقلته، وامرأة نعسانة وناعسة ونعوس، وفي (الصحاح) و (المجمل): النعاس: الوسن. وقال كراع: وسنان أي: ناعس، والسنة، بكسر السين، أصلها: وسنة، مثل: عدة أصلها وعدة، حذفت الواو تبعا لحذفها في مضارعه، ونقلت فتحتها إلى عين الفعل: وزنها علة. قوله: (والنعستين) تثنية نعسة. قوله: (أو الخفقة) عطف على قوله: (النعسة) وهو أيضا على وزن فعلة: مرة، من الخفق، يقال: خفق الرجل، بفتح الفاء، يخفق خفقا إذا حرك رأسه وهو ناعس؛ وفي (الغريبين): معنى تخفق رؤوسهم: تسقط أذقانهم على صدورهم. وقال ابن الأثير: خفق إذا نعس، والخفوق الاضطراب، وخفق الليل إذا ذهب. وقال ابن التين: الخفقة النعسة، وإنما كرر لاختلاف اللفظ، وقال بعضهم: الظاهر أنه من ذكر الخاص بعد العام قلت: على قول ابن التين بين النعس والخفقة مساواة، وعلى قول بعضهم: عموم وخصوص بمعنى أن كل خفقة نعسة، وليس كل نعسة خفقة، ويدل عليه ما قال أهل اللغة: خفق رأسه إذا حركها وهو ناعس. وقال أبو زيد: خفق برأسه من النعاس: أماله، ومنه قول الهروي في (الغريبين): تخفق رؤوسهم، كما ذكرناه، وفيه: الخفق مع النعاس. وقوله: هذا من حديث أخرجه محمد بن نصر في قيام الليل بإسناد صحيح عن أنس، رضي الله تعالى عنه: (كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون الصلاة فينغسون حتى تخفق رؤوسهم، ثم يقومون إلى الصلاة). وقال بعضهم: ظاهر كلام البخاري: النعاس يسمى نوما، والمشهور التفرقة بينهما، أن من فترت حواسه بحيث يسمع كلام جليسه ولا يفهم معناه فهو ناعس، وإن زاد على ذلك فهو نائم، ومن علامات النوم الرؤيا، طالت أو قصرت. قلت: لا نسلم أن ظاهر كلام البخاري يدل على عدم التفرقة، فإنه عطف قوله: (ومن لم ير من النعسة...) إلى آخره على قوله: (النوم والنعس) في قوله: (باب النوم).
والتحقيق في هذا المقام أن معنا ثلاثة أشياء: النوم والنعسة والخفقة. أما النوم: فمن قال: إن نفس النوم حدث يقول بوجوب الوضوء من النعاس، ومن قال: إن نفس النوم ليس بحدث لا يقول بوجوب الوضوء على الناعس؛ وأما الخفقة: فقد روي عن ابن عباس أنه قال: وجب الوضوء على كل نائم إلا من خفق خفقة. فالبخاري أشار إلى هذه الثلاثة، فأشار إلى النوم بقوله: (باب النوم). والنوم فيه تفصيل كما نذكره عن قريب، وأشار بقوله: (النعسة والنعستين) إلى القول بعدم وجوب الوضوء في النعسة والنعستين، ويفهم من هذا أن النعسة إذا زادت على النعستين وجب الوضوء، لأنه يكون حينئذ نائما مستغرقا، وأشار إلى من يقول بعدم وجوب الوضوء على من يخفق خفقة واحدة، كما روى عن ابن عباس بقوله: (أو الخفقة)، ويفهم من هذا أن الخفقة إذا زادت على الواحدة يجب الوضوء، ولهذا قيد ابن عباس الخفقة بالواحدة.
واما النوم ففيه أقوال. الأول: إن النوم لا ينقض الوضوء بحال، وهو محكي عن أبي موسى الأشعري وسعيد بن المسيب، وأبي مجلز وحميد بن عبد الرحمن والأعرج، وقال ابن حزم: وإليه ذهب الأوزاعي، وهو قول صحيح عن جماعة من الصحابة وغيرهم، منهم: ابن عمر ومكحول وعبيدة السلماني. الثاني: النوم ينقض الوضوء على كل حال وهو مذهب الحسن والمزني وأبي عبد الله القاسم بن سلام وإسحاق بن راهويه، قال ابن المنذر: وهو قول غريب عن الشافعي، قال: وبه أقول. قال: وروي معناه عن ابن عباس وأنس وأبي هريرة، وقال ابن حزم: النوم في ذاته حدث ينقض الوضوء، سواء قل أو كثر، قاعدا أو قائما في صلاة أو غيرها أو راكعا أو ساجدا أو متكئا أو مضطجعا، أيقن من حواليه أنه لم يحدث أو لم يوقنوا. الثالث: كثير النوم ينقض وقليله لا ينقض بكل حال، قال ابن المنذر: وهو قول الزهري وربيعة والأوزاعي ومالك وأحمد في إحدى الروايتين، وعند الترمذي: وقال بعضهم: إذا نام حتى غلب على عقله وجب عليه الوضوء، وبه يقول إسحاق. الرابع: إذا نام على هيئة من هيئات المصلي: كالراكع والساجد والقائم والقاعد، لا ينقض وضوءه، سواء كان في الصلاة أو لم يكن، فإن نام مضطجعا أو مستلقيا على قفاه انتقض، وهو قول أبي حنيفة وداود، وقول غريب للشافعي، وقاله أيضا حماد بن أبي سليمان
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 ... » »»