عمدة القاري - العيني - ج ٣ - الصفحة ١١٣
..)، الحديث، وذهبت طائفة، إلى أن الوضوء واجب لكل صلاة مطلقا من غير حدث، وروي ذلك عن ابن عمر وأبي موسى وجابر أن عبد الله، وعبيدة السلماني، وأبي العالية، وسعيد بن المسيب وإبراهيم والحسن.
وحكى ابن حزم في (كتاب الإجماع) هذا المذهب عن عمرو بن عبيد، قال: وروينا عن إبراهيم النخعي أنه لا يصلي بوضوء واحد أكثر من خمس صلوات، ومذهب أكثر العلماء من الأئمة الأربعة، وأكثر أصحاب الحديث وغيرهم: أن الوضوء لا يجب إلا من حدث. وقالوا: لأن آية الوضوء نزلت في إيجاب الوضوء من الحدث عند القيام إلى الصلاة، لأن معنى قوله تعالى: * (إذا قمتم إلى الصلاة) * (المائدة: 6) إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم محدثون، واستدل الدارمي على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: (لا وضوء إلا من حدث). وحكى الشافعي عمن لقيه من أهل العلم أن التقدير: إذا قمتم من النوم. فإن قلت: ظاهر الآية يقتضي التكرار، لأن الحكم المذكور وهو قوله: * (فاغسلوا) * (المائدة: 6) معلق بالشرط، وهو * (إذا قمتم إلى الصلاة) * (المائدة: 6) فيقتضي تكرار الحكم عند تكرار الشرط، كما هو القاعدة عندهم. قلت: المسألة مختلف فيها، والأكثرون على أنه لا يقتضيه لفظا. وقال الزمخشري، رحمه الله تعالى: فإن قلت: ظاهر الآية يوجب الوضوء على كل قائم إلى الصلاة، محدث وغير محدث، فما وجهه؟ قلت: يحتمل أن يكون الأمر للوجوب، فيكون الخطاب للمحدثين خاصة. وأن يكون للندب. فان قلت: هل يجوز أن يكون الامر شاملا للمحدثين وغيرهم، لهؤلاء على وجه الإيجاب ولهؤلاء على وجه الندب؟ قلت: لا، لأن تناول الكلمة الواحدة لمعنيين مختلفين من باب الإلغاز والعمية. وقال الطحاوي، رحمه الله تعالى: قد يجوز أن يكون وضوؤه، عليه الصلاة والسلام، لكل صلاة على ما روى بريدة، كان ذلك على التماس الفضل لا على الوجوب، والدليل على ذلك ما رواه الطحاوي وابن أبي شيبة من حديث أبي عطيف الهذلي، قال: (صليت مع عبد الله بن عمر، رضي الله تعالى عنهما، الظهر فانصرف في مجلس في داره، فانصرفت معه حتى إذا نودي بالعصر دعا بوضوء فتوضأ، فقلت له: أي شيء هذا يا أبا عبد الرحمن الوضوء عند كل صلاة؟ فقال: وقد فطنت لهذا مني، ليست بسنة، إن كان لكافيا وضوئي لصلاة الصبح وصلواتي كلها ما لم أحدث، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من توضأ على طهر كتب الله له بذلك عشر حسنات، ففي ذلك رغبت يا ابن أخي).
وقال الطحاوي: وقد روي عن أنس بن مالك ما يدل على ما ذكرنا، يعني اكتفاء المصلي بوضوء واحد لصلوات كثيرة ما لم يحدث، وذلك لأنه قد علم حكم ما ذكرنا من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ير ذلك فرضا، بل كان ذلك لإصابة الفضل، وإلا لما كان وسعه، ولا لغيره، أن يخالفوه. وقال الطحاوي أيضا: ويجوز أن يكون ذلك فرضا أولا ثم نسخ، ثم استدل على ذلك بحديث أسماء ابنة زيد بن الخطاب ابن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر حدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر، فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك لكل صلاة فهذا دل على النسخ.
وفي رواية ابن خزيمة في (صحيحه): فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك عند كل صلاة، ووضع عنه الوضوء إلا من حدث. ويقال في الجواب: يحتمل أن يكون ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وقال ابن شاهين: لم يبلغنا أن أحدا من الصحابة والتابعين كانوا يتعمدون الوضوء لكل صلاة إلا ابن عمر، وفيه نظر، لأنه روى ابن أبي شيبة. حدثنا وكيع عن ابن عون عن ابن سيرين: كان الحلفاء يتوضؤون لكل صلاة. وفي لفظ: كان أبو بكر وعمر وعثمان يتوضؤون لكل صلاة. وقال بعضهم: يمكن حمل الآية على ظاهرها من غير نسخ، ويكون الأمر في حق المحدثين على الوجوب، وفي حق غيرهم للندب. قلت: هذا لا يصح لما ذكرنا عن قريب أنه على هذا يكون من باب الإلغاز، فلا يجوز.
الثاني من الاحكام: فيه دلالة على فضيلة الوضوء لكل صلاة وحدها.
الثالث: يجوز الاكتفاء بوضوء واحد ما لم يحدث.
الرابع: فيه دلالة على وجوب الوضوء عند الحدث لمن يريد الصلاة.
215 حدثنا خالد بن مخلد قال حدثنا سليمان قال حدثنا يحيى ابن سعيد قال أخبرني بشير بن يسار قال أخبرني سويد بن النعمان قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر حتى إذا كنا بالصهباء صلي لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر فلما صلى دعا بالاطعمة فلم يوتإلا بالسويق فأكلنا وشربنا ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم إلى المغرب فمضمض
(١١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 ... » »»