ابن المنير في الدعوات الثلاث مناسبة للحال أما طول عمره فليراه من سمع بأمره فيعلم كرامة سعد وأما طول فقره فلنقيض مطلوبه لأن حاله يشعر بأنه طلب أمرا دنيويا وأما تعرضه للفتن فلكونه قام فيها ورضيها دون أهل بلده (قوله فكان بعد) أي أبو سعدة وقائل ذلك عبد الملك بن عمير بينه جرير في روايته (قوله إذا سئل) في رواية ابن عيينة إذ قيل له كيف أنت (قوله شيخ كبير مفتون) قيل لم يذكر الدعوة الأخرى وهي الفقر لكن عموم قوله أصابتني دعوة سعد يدل عليه (قلت) قد وقع التصريح به في رواية الطبراني من طريق أسد بن موسى وفي رواية أبي يعلى عن إبراهيم بن الحجاج كلاهما عن أبي عوانة ولفظه قال عبد الملك فأنا رأيته يتعرض للإماء في السكك فإذا سألوه قال كبير فقير مفتون وفي رواية إسحق عن جرير فافتقر وافتتن وفي رواية سيف فعمى واجتمع عنده عشر بنات وكان إذا سمع بحس المرأة تشبث بها فإذا أنكر عليه قال دعوة المبارك سعد وفي رواية ابن عيينة ولا تكون فتنة إلا وهو فيها وفي رواية محمد بن جحادة عن مصعب بن سعد نحو هذه القصة قال وأدرك فتنة المختار مولاه فيها رواه المخلص في فوائده ومن طريقه ابن عساكر وفي رواية سيف أنه عاش إلى فتنة الجماجم وكانت سنة ثلاث وثمانين وكانت فتنة المختار حين غلب على الكوفة من سنة خمس وستين إلى أن قتل سنة سبع وستين (قوله دعوة سعد) أفردها لإرادة الجنس وإن كانت ثلاث دعوات وكان سعد معروفا بإجابة الدعوة روى الطبراني من طريق الشعبي قال قيل لسعد متى أصبت الدعوة قال يوم بدر قال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم استجب لسعد وروى الترمذي وابن حبان والحاكم من طريق قيس بن أبي حازم عن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم استجب لسعد إذا دعاك وفي هذا الحديث من الفوائد سوى ما تقدم جواز عزل الإمام بعض عماله إذا شكى إليه وإن لم يثبت عليه شئ إذا اقتضت ذلك المصلحة قال مالك قد عزل عمر سعدا وهو أعدل من يأتي بعده إلى يوم القيامة والذي يظهر أن عمر عزله حسما لمادة الفتنة ففي رواية سيف قال عمر لولا الاحتياط وأن لا يتقي من أمير مثل سعد لما عزلته وقيل عزله ايثارا لقربه منه لكونه من أهل الشورى وقيل لأن مذهب عمر أنه لا يستمر بالعامل أكثر من أربع سنين وقال المازري اختلفوا هل يعزل القاضي بشكوى الواحد أو الاثنين أو لا يعزل حتى يجتمع الأكثر على الشكوى منه وفيه استفسار العامل عما قيل فيه والسؤال عمن شكى في موضع عمله والاقتصار في المسألة على من يظن به الفضل وفيه أن السؤال عن عدالة الشاهد ونحوه يكون ممن يجاوره وأن تعريض العدل للكشف عن حاله لا ينافي قبول شهادته في الحال وفيه خطاب الرجل الجليل بكنيته والاعتذار لمن سمع في حقه كلام يسوؤه وفيه الفرق بين الافتراء الذي يقصد به السب والافتراء الذي يقصد به دفع كلاهما فيعزز قائل الأول دون الثاني ويحتمل أن يكون سعد لم يطلب حقه منهم أو عفا عنهم واكتفى بالدعاء على الذي كشف قناعه في الافتراء عليه دون غيره فإنه صار كالمنفرد بأذيته وقد جاء في الخبر من دعا على ظالمه فقد انتصر فلعله أراد الشفقة عليه بأن عجل له العقوبة في الدنيا فانتصر لنفسه وراعى حال من ظلمه لما كان فيه من وفور الديانة ويقال إنه إنما دعا عليه لكونه انتهك حرمة من صحب خالف وكأنه قد انتصر لصاحب خالف وفيه جواز الدعاء على الظالم المعين بما يستلزم النقص في دينه وليس هو من طلب وقوع المعصية ولكن من حيث أنه يؤدي إلى نكاية الظالم وعقوبته ومن هذا القبيل
(١٩٩)