في رواية رجاء عن أبي سعيد التي تقدمت في أول الباب فيحتمل أن يكون هو أبا مسعود الذي وقع في رواية عبد الرزاق أنه كان معهما ويحتمل أن تكون القصة تعددت ويدل على ذلك المغايرة الواقعة بين روايتي عياض ورجا ففي رواية عياض أن المنبر بني بالمصلى وفي رواية رجاء أن مروان أخرج المنبر معه فلعل مروان لما أنكروا عليه إخراج المنبر ترك إخراجه بعد وأمر ببنائه من لبن وطين بالمصلى ابن ولا بعد في أن ينكر عليه تقديم الخطبة على الصلاة مرة بعد أخرى ويدل على التغاير أيضا أن إنكار أبي سعيد وقع بينه وبينه وانكار الآخر وقع في رؤوس الناس (قوله أن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها) أي الخطبة (قبل الصلاة) وهذا يشعر بأن مروان فعل ذلك باجتهاد منه وسيأتي في الباب الذي بعده أن عثمان فعل ذلك أيضا لكن لعلة أخرى وفي هذا الحديث من الفوائد بنيان المنبر قال الزين بن المنير وإنما اختاروا أن يكون باللبن لامن الخشب لكونه يترك بالصحراء في غير حرز فيؤمن عليه النقل بخلاف خشب منبر الجامع وفيه أن الخطبة على الأرض عن قيام في المصلى أولى من القيام على المنبر والفرق بينه وبين المسجد أن المصلى يكون بمكان فيه فضاء فيتمكن من رؤيته كل من حضر بخلاف المسجد فإنه يكون في مكان محصور فقد لا يراه بعضهم وفيه الخروج إلى المصلى في العيد وأن صلاتها في المسجد لا تكون الا عن ضرورة وفيه إنكار العلماء على الأمراء إذا صنعوا ما يخالف السنة وفيه حلف العالم على صدق ما يخبر به والمباحثة في الأحكام وجواز عمل العالم بخلاف الأولى إذا لم يوافقه الحاكم على الأولى لأن أبا سعيد حضر الخطبة ولم ينصرف فيستدل به على أن البداءة بالصلاة فيها ليس بشرط في صحتها والله أعلم قال ابن المنير في الحاشية حمل أبو سعيد فعل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك على التعيين وحمله مروان على الأولوية واعتذر عن ترك الأولى بما ذكر من تغير حال الناس فرأى أن المحافظة على أصل السنة وهو إسماع الخطبة أولى من المحافظة على هيئة فيها ليست من شرطها والله أعلم واستدل به على استحباب الخروج إلى الصحراء لصلاة العيد وأن ذلك أفضل من صلاتها في المسجد لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك مع فضل مسجده وقال الشافعي في الأم بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج في العيدين إلى المصلي بالمدينة وكذا من بعده الا من عذر مطر ونحوه وكذلك عامة أهل البلدان الا أهل مكة ثم أشار إلى أن سبب ذلك سعة المسجد وضيق أطراف مكة قال فلو عمر بلد فكان مسجد أهله يسعهم في الأعياد لم أر أن يخرجوا منه فإن كان لا يسعهم كرهت الصلاة فيه ولا إعادة ومقتضى هذا أن العلة تدور على الضيق والسعة لا لذات الخروج إلى الصحراء لأن المطلوب حصول عموم الاجتماع فإذا حصل في المسجد مع أفضليته كان أولى (قوله باب المشي والركوب إلى العيد والصلاة قبل الخطبة وبغير أذان ولا إقامة) في هذه الترجمة ثلاثة أحكام صفة التوجه وتأخير الخطبة عن الصلاة وترك النداء فيها فأما الأول فقد اعترض عليه ابن التين فقال ليس فيما ذكره من الأحاديث ما يدل على مشى ولا ركوب وأجاب الزين بن المنير بأن عدم ذلك مشعر بتسويغ كل منهما وألا مزية لأحدهما على الآخر ولعله أشار بذلك إلى تضعيف ما ورد في الندب إلى المشي ففي الترمذي عن علي قال من السنة أن يخرج إلى العيد ماشيا وفي ابن ماجة عن سعد القرظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي العيد ماشيا وفيه عن أبي رافع نحوه وأسانيد الثلاثة ضعاف وقال الشافعي
(٣٧٥)