الغدير - الشيخ الأميني - ج ٨ - الصفحة ١٠٦
وأما وجود مال له بالطائف فالرجل مكي قد هاجر عنها لا طائفي، وبينه وبين الطائف عدة مراحل، هب أن له مالا بمكة أو بنفس منى وعرفة اللتين أتم فيهما الصلاة، فإن مجرد المال في مكان ليس يقطع السفر ما لم يجمع الرجل مكثا، وقد قصر أصحاب النبي صلى الله عليه وآله معه عام الفتح، وفي حجة أبي بكر ولعدد منهم بمكة دار أو أكثر وقرابات. كما رواه الشافعي، قال في كتاب الأم 1: 165: قد قصر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم معه عام الفتح، وفي حجته، وفي حجة أبي بكر، ولعدد منهم بمكة دار أو أكثر وقرابات: منهم أبو بكر له بمكة دار وقرابة، وعمر له بمكة دور كثيرة، و عثمان له بمكة دار وقرابة، فلم أعلم منهم أحدا أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاتمام، ولا أتم ولا أتموا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قدومهم مكة، بل حفظ عمن حفظ عنه منهم القصر بها. وذكره البيهقي في السنن 3: 153.
وأما الخيفة ممن حج من أهل اليمن وجفاة الناس الذين لم يتمرنوا بالأحكام أن يقولوا: إن الصلاة لمقيم ركعتان هذا إمام المسلمين يصليها كذلك. فقد كانت أولى بالرعاية على العهد النبوي والناس حديثوا عهد بالاسلام، ولم تطرق جملة من الأحكام أسماعهم، وكذلك على العهدين قبله، لكن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يرعها بعد بيان حكمي الحاضر والمسافر، وكذلك من اقتص أثره من بعده، ولقد صلى صلى الله عليه وآله بمكة ركعتين أيام إقامته بها ثم قال: أتموا الصلاة يا أهل مكة! فإنا سفر. أو قال: يا أهل البلد صلوا أربعا فإنا سفر (1). فأزال صلى الله عليه وآله ما حاذره الخليفة في تعليله المنحوت بعد الوقوع، فهلا كان منه اقتصاص لأثر النبي صلى الله عليه وآله؟ فيما لم يزل دائبا عليه في أسفاره، فهلا اقتص أثره مع ذلك البيان الأوفى؟ ولم يكن على الأفواه أوكية، ولا على الآذان صمم، وهل الواجب تعليم الجاهل؟ أو تغيير الحكم الثابت من جراء جهله؟:
على أن الخليفة إن أراد أن ينقذ الهمج من الجهل بتشريع الصلاة أربعا فقد ألقاهم في الجهل بحكم صلاة المسافر، فكان تعليمه العملي إغراء بالجهل، وواجب التعليم هو الاستمرار على ما ثبت في الشريعة مع البيان، كما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله في مكة كما مر

(١) سنن البيهقي ٣: ١٣٦، ١٥٧، سنن أبي داود ١: ١٩١، أحكام القرآن للجصاص 2:
310.
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 ... » »»