بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٣ - الصفحة ٤١٠
ولا اغتسال لشدة تستره وعموق نظره وتحفظه في أمره، ولم يضحك من شئ قط مخافة الاثم، ولم يغضب قط، ولم يمازح إنسانا قط، ولم يفرح لشئ إن أتاه من أمر الدنيا، (1) ولا حزن منها على شئ قط، وقد نكح من النساء وولد له الأولاد الكثيرة وقدم أكثرهم إفراطا (2) فما بكى على موت أحد منهم، ولم يمر برجلين يختصمان أو يقتتلان إلا أصلح بينهما، ولم يمض عنهما حتى تحاجزا، ولم يسمع قولا قط من أحد استحسنه إلا سأل عن تفسيره وعمن أخذه، وكان يكثر مجالسة الفقهاء والحكماء، وكان يغشى القضاة والملوك والسلاطين فيرثي للقضاة مما ابتلوا به، (3) ويرحم الملوك والسلاطين لغرتهم بالله وطمأنينتهم في ذلك، ويعتبر ويتعلم ما يغلب به نفسه، ويجاهد به هواه، ويحترز به من الشيطان، وكان يداوي قلبه بالتفكر، ويداري نفسه بالعبر، وكان لا يظعن إلا فيما يعنيه، فبذلك أوتي الحكمة، ومنح العصمة، وإن الله تبارك وتعالى أمر طوائف من الملائكة حين انتصف النهار وهدأت العيون (4) بالقائلة فنادوا لقمان حيث يسمع ولا يراهم فقالوا: يا لقمان هل لك أن يجعلك الله خليفة في الأرض، تحكم بين الناس؟ فقال لقمان:
إن أمرني ربي بذلك فالسمع والطاعة، لأنه إن فعل بي ذلك أعانني عليه وعلمني وعصمني، وإن هو خيرني قبلت العافية، فقالت الملائكة: يا لقمان لم؟ قال: لان الحكم بين الناس بأشد المنازل من الدين، وأكثر فتنا وبلاء ما يخذل ولا يعان، ويغشاه الظلم من كل مكان، وصاحبه منه بين أمرين: إن أصاب فيه الحق فبالحري أن يسلم، وإن أخطأ أخطأ طريق الجنة، ومن يكن في الدنيا ذليلا وضعيفا كان أهون عليه في المعاد من أن يكون فيه حكما سريا شريفا. ومن اختار الدنيا على الآخرة يخسرهما كلتيهما، تزول هذه ولا تدرك تلك. قال: فتعجبت الملائكة من حكمته، واستحسن الرحمن منطقه، فلما أمسى وأخذ مضجعه من الليل أنزل الله عليه الحكمة فغشاه بها من قرنه إلى قدمه وهو نائم، وغطاه بالحكمة غطاء، فاستيقظ وهو أحكم الناس في زمانه، وخرج على الناس

(1) في المصدر وفى نسخة: ولم يفرح بشئ أتاه من أمر الدنيا.
(2) من أفرط فلان ولدا أي مات له ولد صغير قبل أن يبلغ.
(3) في المصدر: بما ابتلوا به.
(4) أي حين نام الناس، والقائلة: منتصف النهار.
(٤١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 405 406 407 408 409 410 411 412 413 414 415 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 نقش خاتم موسى وهارون عليهما السلام وعلل تسميتهما و بعض أحوالهما، وفيه 20 حديثا. 1
3 باب 2 أحوال موسى عليه السلام من حين ولادته إلى نبوته، وفيه 21 حديثا. 13
4 باب 3 معنى قوله تعالى: (فاخلع نعليك) وقول موسى عليه السلام: (واحلل عقدة من لساني) وأنه لم سمي الجبل طور سيناء، وفيه خمسة أحاديث. 64
5 باب 4 بعثة موسى وهارون عليهما السلام على فرعون، وأحوال فرعون وأصحابه وغرقهم، وما نزل عليهم من العذاب قبل ذلك، وإيمان السحرة وأحوالهم، وفيه 61 حديثا 67
6 باب 5 أحوال مؤمن آل فرعون وامرأة فرعون، وفيه ستة أحاديث 157
7 باب 6 خروج موسى عليه السلام من الماء مع بني إسرائيل وأحوال التيه، وفيه 21 حديثا. 165
8 باب 7 نزول التوراة وسؤال الرؤية وعبادة العجل وما يتعلق بها، وفيه 51 حديثا. 195
9 باب 8 قصة قارون، وفيه خمسة أحاديث. 249
10 باب 9 قصة ذبح البقرة، وفيه سبعة أحاديث. 259
11 باب 10 قصص موسى وخضر عليهما السلام، وفيه 55 حديثا. 278
12 باب 11 ما ناجى به موسى عليه السلام ربه وما أوحي إليه من الحكم والمواعظ وما جرى بينه وبين إبليس لعنه الله وفيه 80 حديثا. 323
13 باب 12 وفاة موسى وهارون عليهما السلام وموضع قبرهما، وبعض أحوال يوشع بن نون عليه السلام، وفيه 22 حديثا. 363
14 باب 13 تمام قصة بلعم بن باعور، وفيه ثلاثة أحاديث. 377
15 باب 14 قصة حزقيل عليه السلام، وفيه تسعة أحاديث. 381
16 باب 15 قصص إسماعيل الذي سماه الله صادق الوعد وبيان أنه غير إسماعيل بن إبراهيم، وفيه سبعة أحاديث. 388
17 باب 16 قصة إلياس وإليا واليسع عليهم السلام، وفيه عشرة أحاديث. 392
18 باب 17 قصص ذي الكفل عليه السلام، وفيه حديثان. 404
19 باب 18 قصص لقمان وحكمه، وفيه 28 حديثا. 408
20 باب 19 قصص إشموئيل عليه السلام وتالوت وجالوت وتابوت السكينة، وفيه 22 حديثا. 435