بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩ - الصفحة ١٠٥
كنتم صادقين " في قولكم: إني افتريته، فهذا غاية ما يمكن في التحدي والمحاجة، وفيه الدلالة الواضحة على إعجاز القرآن، لأنه إذا ثبت أن النبي صلى الله عليه و آله تحداهم به وأوعدهم بالقتل والأسر بعد أن عاب دينهم وآلهتهم وثبت أنهم كانوا أحرص الناس على إبطال أمره حتى بذلوا مهجهم وأموالهم في ذلك، فإذا قيل لهم: افتروا أنتم مثل هذا القرآن وأدحضوا حجته فذلك أيسر وأهون عليكم من كل ما تكلفتموه فعدلوا عن ذلك وصاروا إلى الحرب والقتل وتكلف الأمور الشاقة فذلك من أدل الدلائل على عجزهم، إذ لو قدروا على معارضته مع سهولة ذلك عليهم لفعلوه، لان العاقل لا يعدل عن الامر السهل إلى الصعب الشاق مع حصول الغرض بكل واحد منهما، فكيف ولو بلغوا غاية أمانيهم في الامر الشاق وهو قتله عليه السلام لكان لا يحصل غرضهم، من إبطال أمره فإن المحق قد يقتل.
فإن قيل: لم ذكر التحدي مرة بعشر سور، ومرة بسورة، ومرة بحديث مثله؟ فالجواب أن التحدي إنما يقع بما يظهر فيه الاعجاز من منظور الكلام، فيجوز أن يتحدى مرة بالأقل، ومرة بالأكثر " فإن لم يستجيبوا لكم " قيل: إنه خطاب للمسلمين، وقيل: للكفار، أي فإن لم يستجب لكم من تدعونهم إلى المعاونة، وقيل: للرسول صلى الله عليه وآله، وذكره بلفظ الجمع تفخيما. (1) وفي قوله: " ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا " أي إن هذه الأخبار لم تكن تعلمها أنت ولا قومك من العرب يعرفونها من قبل إيحائنا إليك، لأنهم لم يكونوا من أهل كتاب وسير. (2)

(١) في هامش النسخة المقروءة على المصنف: لما كانت المذاهب المشهورة في اعجاز القرآن مترددة بين أن يكون بالصرفة أو ببلوغه الدرجة القصوى من الفصاحة والبلاغة، أو اشتماله على العلوم الدقيقة، أو على القصص التي لا يعرفها الا أهل الكتاب، أو على الاخبار بالمغيبات، أو عدم وجدان الاختلاف، أو بغاية البلاغة والنظم المخصوص معا اختار الأخير واستدل بالآية عليه بأنه لو كان لغير الفصاحة والنظم مدخلا لما اكتفى بقوله: " مثله مفتريات " إذ الظاهر من المماثلة المماثلة في النظم والفصاحة كما كان عادتهم في معارضة الكلام والتفاخر به، وهذا ينفى الصرفة أيضا لان مثله مخل في ذلك بل كان الأنسب ان يقول: ائتوا بكلام أدون من ذلك، وأيضا الاتيان بالركيك من الكلام كان ادخل في الصرفة، وبعد فيه كلام للمتأمل. منه.
(2) مجمع البيان 5: 146 و 147
(١٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 ... » »»
الفهرست