كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ١٣٥
عنه من قوله في لحم الخنزير والخمر هذا لحمي فكلوه وهذا دمي فاشربوه (والحجة الأخرى) ان في الجنة شربا وإذا كان فيها شرب كان فيها اكل وليست تذهب النصارى إلى هذا فاما روايتهم عنه عليه السلام أنه قال هذا لحمي فكلوه وهذا دمي فاشربوه فإنه يحتمل وجها من التأويل ويكون معناه التهديد وإن كان بلفظ الامر كما يقول أحدنا لمن يتهدده اعمل ما شئت وهو لا يريد امره ويقوى هذا التأويل ما تضمنه الخبر عن قوله هذا لحمي وهذا دمي ونحن نعلم أن لحمه ودمه محرمان فيصح بما ذكرناه من أن المراد بالخبر التهديد واعلم انا لم نتأول هذا الخبر توقفا عن رده وانا لنعلم انهم متهمون فيما يروون وإنما تأولناه تصرفا في النظر وإقامة الحجة على الخصم فاما ما في القرآن من التهديد الذي هو بلفظ الامر فمواضع أحدها قول الله سبحانه لإبليس * (اجلب عليهم بخيلك ورجلك و شاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا) * الاسراء وقوله تعالى * (اعملوا ما شئتم انه بما تعملون بصير) * فصلت مسألة ان سئل سائل عن قول الله تعالى في موضع من ذكر موسى عليه السلام * (وان الق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب) * النمل وعن قوله في موضع آخر * (فالقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين) * الشعراء وقال ما معنى هذا الاختلاف في وصف العصى وقد أخبر في إحدى الآيتين انها كانت كالجان والجان الحية الصغيرة وذكر في الآية الأخرى انها ثعبان مبين والثعبان الحية العظيمة فكيف تكون في حال واحدة بهاتين الصفتين المتباينتين (جواب) قلنا قد أجيب عن هذا السؤال بان موسى لما القى العصى جعلها الله تعالى على صفة الجان في سرعة حركتها وقوتها وكثرة نشاطها وعلى صفة الثعبان في عظم خلقها وهول منظرها وكبر جسمها فاجتمع فيه الوصفان لها فليس تشبيها لها بالجان في إحدى الآيتين بموجب ان يكون تشبيهه في جميع صفاته ولا تشبيهه لها بالثعبان في الآية الأخرى بدليل على انها تماثله في سائر حالاته وعلى هذا الجواب لا تباين في الآيتين بحمد الله ومنه ووجه آخر وقد أجيب عن ذلك بجواب آخر وهو ان الآيتين ليستا خبرا عن حال واحدة بل لكل واحدة منهما حال منفردة فالحال التي كانت العصا فيها كأنها جان كانت في ابتداء النبوة وقبل مصير موسى عليه السلام إلى فرعون مؤديا للرسالة والحال التي صارت العصا فيها ثعبانا كانت عند لقائه وابلاغه الرسالة وعلى هذا تدل التلاوة ولم يبق في المسألة شبهه والمنة لله (فصل) وروى في الحديث ان فضال بن الحسن بن فضال الكوفي مر بابي حنيفة وهو في جمع كثير يملي عليهم شيئا من فقه حديثه فقال فضال لصاحب كان معه والله لا أبرح حتى اخجل أبا حنيفة فقال له صاحبه ان أبا حنيفة من قد علمت حاله وظهرت حجته فقال فضال مه هل رأيت حجته علت على المؤمن ثم دنا منه فسلم عليه وقال يا أبا حنيفة يرحمك الله ان لي أخا يقول إن خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب عليه السلام وانا أقول أبو بكر وبعده عمر فما تقول أنت يرحمك الله فأطرق
(١٣٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 130 131 132 133 134 135 136 137 138 139 140 ... » »»