شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٦ - الصفحة ٤٠١
باب التسليم وفضل المسلمين * الأصل:
1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن سنان، عن ابن مسكان، عن سدير، قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): إني تركت مواليك مختلفين، يتبرأ بعضهم من بعض؟ قال:
فقال: وما أنت وذاك؟ إنما كلف الناس ثلاثة: معرفة الأئمة، والتسليم لهم فيما ورد عليهم، والرد إليهم فيما اختلفوا فيه.
* الشرح:
قوله (قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) إني تركت مواليك) هذا الكلام يحتمل أمرين: أحدهما إني تركت مواليك مختلفين في الأحكام الشرعية والفروع الدينية والمسائل الكلامية حتى يبرأ بعضهم من بعض لسوء عقائده وقبح فوائده، فأجاب (عليه السلام) بقوله: وما أنت وذاك؟ يعني لا يجوز لك ولهم ذلك الاختلاف والقول بالرأي والاعتماد على العقول الناقصة وإنما يجب عليكم الرجوع إلى الأئمة والأخذ منهم حتى تسلموا من الاختلاف والبراءة، وثانيهما: إني تركت مواليك مختلفين في التودد والتحبب والتألف للتحاسد والتباغض والتشاجر حتى يبرأ بعضهم من بعض لفوات روابط الالفة بينهم فأجاب (عليه السلام) بقوله: «وما أنت وذاك» أي لا ينبغي لك لومهم بذلك لأن الناس إنما كلفوا بأمور ثلاثة مذكورة وموالينا قد تمسكوا بها فلا لوم عليهم بعد ذلك، والحصر إضافي أو حقيقي ادعائي باعتبار أن بواقي التكليف أمر هين بالنسبة إلى المذكور.
قوله (معرفة الإمام) (1) المراد بها هو الإذعان بأنه إمام والإيقان بأنه واجب الإطاعة من قبله تعالى وليس المراد بها معرفة شخصه وعينه.
قوله (والتسليم) وهو فوق الرضا لأن الراضي يرى لنفسه وجودا وإرادة إلا أنه يرضى بما صدر منهم (عليهم السلام) وإن خالف طبعه والمسلم بري من جميع ذلك، وإنما نظره إليهم.
إذا عرفت فنقول: من أصول الشريعة التسليم لهم (عليهم السلام) بكل ما جاء منهم وصدر عنهم وإن كان لا يظهر وجه حكمته للناس ولا يفهمونه فإن لله تعالى أسرارا ومصالح (2) يخفى بعضها ولا يعلمه

(١) كذا في ما عندنا من النسخ.
(٢) قوله «فإن لله تعالى أسرارا ومصالح» قد يقتضي المصلحة إخفاء بعض الامور أو التعبير عنه بعبارة دون أخرى أو العدول من الحقيقة إلى المجاز وأمثال ذلك وهذا واضح يعرف كل أحد في أمور نفسه وأوامره بالنسبة إلى خدمه وعبيده وأولاده، ويجب التسليم لجميع ما ورد منهم (عليهم السلام) ورد علمه إليهم سواء عرفنا حقيقته أم لا وإن كان فيما ورد عنهم ما نعلم قطعا عدم صحته كتجويز الطلاق ثلاثا من غير رجعة أو المسح على الخفين أو بماء جديد فلا نرفع اليد عن المسلمات والضروريات، ومع ذلك نرد علم ما خالفه إليهم وما ورد في المبدء والمعاد والمعراج والنبوة وعذاب القبر وثوابه من الأمور التي لا نعرف حقيقتها خصوصا فيما يتعلق بتجسيم الله تعالى مما نعلم عدم إرادة الظاهر منها كذلك نسلمها من غير بحث ونرد علمه إليهم، مثلا كيف يعذب أحد في القبر ولا يراه أحد وكيف يكون القبر للصلحاء روضة من رياض الجنة وبجنب الصالح رجل شقي وقبره مملوء نارا ولا يستفيد هذا من روضة ذلك ولا يستضر ذلك من نار هذا، وما كان السماوات التي عبرها النبي (صلى الله عليه وآله) ليلة المعراج وما نقله لنا مما رآه هناك من الملائكة والجنة والنار وتعذيب أهلها هل كان بحيث يراه كل أحد غيره إن صعد إلى السماء أو هي أمور ملكوتية تختص رؤيتها بالنبي (صلى الله عليه وآله) وغير ذلك، ولو عمل الناس بهذه القاعدة أعني التوقف والتسليم لم يضلوا، ولكن أصر بعضهم على التمسك بالظاهر فوقعوا في التجسيم وأثبتوا له تعالى عينا ويدا ووجها ورأوا الخروج من ظاهر الألفاظ بدعة مضلة وبعضهم أصر على التأويل وكما أن التأويل مزلة كذلك الإصرار على الظاهر مزلة.
ثم اعلم أن ما يتضمن هذه الروايات من الأصول الاعتقادية لا يجب أن يكون معلوما تفصيلا لجميع الناس بل يكفي فيه العلم الإجمالي والتصديق بالواقع وإن كان مجهولا لنا كيفية وتفصيلا، ونظيره تفاصيل الرجعة وما سبق من أعمال القائم (عليه السلام) ونوابه بل وتفصيل أحواله زمان الغيبة وغير ذلك إذ لا يتعلق بالعمل وما يتبادر إليه الذهن ليس بحجة كما كان يتبادر إلى ذهن كثير منهم إن الفرج قريب جدا وإنما التبادر حجة فيما يتعلق بالأعمال الفرعية التي لابد أن يعلم المكلف بها تفصيلا حتى يتمكن من العمل ويعذر إن أخطأ في فهم المراد وعمل على وجه لم يرده الشارع وقد تبين في الأصول أن تأخير البيان عن وقت الخطاب جائز لا عن وقت العمل (ش).
(٤٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 396 397 398 399 400 401 402 403 404 405 406 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الحديث الثاني من باب شأن (إنا أنزلناه) 3
2 باب في أن الأئمة (عليهم السلام) يزدادون في ليلة الجمعة 24
3 باب لولا أن الأئمة (عليهم السلام) يزدادون لنفد ما عندهم 26
4 باب أن الأئمة (عليهم السلام) يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل (عليهم السلام) 28
5 باب نادر فيه ذكر الغيب 30
6 باب أن الأئمة إذا شاؤوا أن يعلموا علموا 36
7 باب أن الأئمة (عليهم السلام) يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم 37
8 باب أن الأئمة (عليهم السلام) يعلمون علم ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم الشيء (عليهم السلام) 43
9 باب أن الله لم يعلم نبيه إلا أمره أن يعلمه أمير المؤمنين (عليه السلام) وأنه كان شريكه في العلم 48
10 باب جهات علوم الأئمة (عليهم السلام) 49
11 باب أن الأئمة (عليهم السلام) لو ستر عليهم لأخبروا كل امرئ بما له وعليه 51
12 باب التفويض إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإلى الأئمة (عليهم السلام) في أمر الدين 53
13 باب في أن الأئمة (عليهم السلام) بمن يشبهون ممن مضى، وكراهية القول فيهم بالنبوة 60
14 باب أن الأئمة (عليهم السلام) محدثون مفهمون 66
15 باب فيه ذكر الأرواح التي في الأئمة (عليهم السلام) 69
16 باب الروح التي يسدد الله بها الأئمة (عليهم السلام) 74
17 باب وقت ما يعلم الإمام جميع علم الإمام الذي كان قبله عليهم جميعا السلام 80
18 باب في أن الأئمة صلوات الله عليهم في العلم والشجاعة والطاعة سواء 82
19 باب أن الإمام (عليه السلام) يعرف الإمام الذي يكون من بعده وأن قول الله تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات) إلى أهلها، فيهم (عليهم السلام) نزلت 84
20 باب أن الإمامة عهد من الله عزوجل معهود من واحد إلى واحد (عليهم السلام) 89
21 باب أن الأئمة (عليهم السلام) لم يفعلوا شيئا ولا يفعلون إلا بعهد من الله عزوجل وأمر منه لا يتجاوزونه 92
22 باب الأمور التي توجب حجة الإمام (عليه السلام) 104
23 باب ثبات الإمامة في الأعقاب وأنها لا تعود في أخ ولا عم ولا غيرهما من القرابات 108
24 باب ما نص الله عزوجل ورسوله على الأئمة (عليهم السلام) واحدا فواحدا 109
25 باب الإشارة والنص على أمير المؤمنين (عليه السلام) 126
26 باب الإشارة والنص على الحسن بن علي (عليهما السلام) 148
27 باب الإشارة والنص على الحسين بن علي (عليهما السلام) 158
28 باب الإشارة والنص على علي بن الحسين (عليهما السلام) 168
29 باب الإشارة والنص على أبي جعفر (عليه السلام) 170
30 باب الإشارة والنص على أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) 172
31 باب الإشارة والنص على أبي الحسن موسى (عليه السلام) 175
32 باب الإشارة والنص على أبي الحسن الرضا (عليه السلام) 182
33 باب الإشارة والنص على أبي جعفر الثاني (عليه السلام) 205
34 باب الإشارة والنص على أبي الحسن الثالث (عليه السلام) 214
35 باب الإشارة والنص على أبي محمد (عليه السلام) 219
36 باب الإشارة والنص إلى صاحب الدار (عليه السلام) 226
37 باب في تسمية من رأى القائم (عليه السلام) 230
38 باب في النهى عن الاسم 236
39 باب نادر في حال الغيبة 238
40 باب في الغيبة 249
41 باب ما يفصل به بين دعوى المحق والمبطل في أمر الإمامة 272
42 باب كراهية التوقيت 332
43 باب التمحيص والامتحان 337
44 باب إنه من عرف إمامه لم يضره تقدم هذا الأمر أو تأخر 342
45 باب من ادعى الإمامة وليس لها بأهل ومن جحد الأئمة أو بعضهم ومن أثبت الإمامة لمن ليس لها بأهل 345
46 باب فيمن دان الله عز وجل بغير إمام من الله جل جلاله 351
47 باب من مات وليس له إمام من أئمة الهدى، وهو من الباب الأول 354
48 باب فيمن عرف الحق من أهل البيت (عليهم السلام) ومن أنكر 357
49 باب ما يجب على الناس عند مضي الإمام (عليه السلام) 359
50 باب في أن الإمام متى يعلم أن الأمر قد صار إليه 366
51 باب حالات الأئمة (عليهم السلام) في السن 371
52 باب إن الإمام لا يغسله إلا إمام من الأئمة (عليهم السلام) 377
53 باب مواليد الأئمة (عليهم السلام) 380
54 باب خلق أبدان الأئمة وأرواحهم وقلوبهم (عليهم السلام) 393
55 باب التسليم وفضل المسلمين 401
56 باب أن الواجب على الناس بعدما يقضون مناسكهم أن يأتوا الإمام فيسألونه معالم دينهم ويعلمونهم ولايتهم ومودتهم له 407
57 باب أن الأئمة تدخل الملائكة بيوتهم وتطأ بسطهم وتأتيهم بالأخبار (عليهم السلام) 410
58 باب أن الجن يأتيهم فيسألونهم عن معالم دينهم ويتوجهون في أمورهم 413
59 باب في الأئمة (عليهم السلام) أنهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل داود ولا يسألون البينة، عليهم السلام والرحمة والرضوان 419
60 باب أن مستقى العلم من بيت آل محمد (عليهم السلام) 422
61 باب أنه ليس شيء من الحق في يد الناس إلا ما خرج من عند الأئمة (عليهم السلام) وأن كل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل 426
62 فهرس الآيات 431