شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٩
كلمني بهذا أحد غيرك) للإشعار برجوعه عن الجهل المركب إلى البسيط وعن الظن بعدم وجود الصانع إلى الشك في وجوده وعدمه (فقال أبو عبد الله (عليه السلام)) طلبا لتصريحه بالشك ورجوعه عن الإنكار الصرف.
(فأنت من ذلك) أي من وجود الصانع أو من وجود ما لم تر وجوده (في شك فلعله هو ولعله ليس هو) أي لعل الصانع موجود بالهوية الشخصية الذاتية ولعله ليس بموجود وكلمة «لعل» للرجاء والطمع وأصلها عل واللام في أولها زايدة (فقال الزنديق) إظهارا لشكه (ولعل ذلك، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) أيها الرجل ليس لمن لا يعلم حجة») أي غلبة أو برهان (على من يعلم) لأن الحجة مبنية على مقدمات وثيقة وأفكار دقيقة وانتقادات صحيحة ومناسبات لطيفة بين المطالب والمبادي إلى غير ذلك من الأمور والشرائط المعتبرة فيها والجاهل بعيد عن إدراك هذه الأمور فكيف يكون له حجة على العاقل العالم بها (ولا حجة للجاهل) أي لا حجة للجاهل على العالم فهذا تأكيد للسابق أو لا حجة للجاهل على القيام بالجهل والبقاء عليه إذ الواجب عليه التهيؤ والاستعداد لقبول الحق والتعرض للتعلم والتفهم عن العالم ولذا قال (عليه السلام) (يا أخا أهل مصر تفهم عني) ما أقول لك من الحق والبيان وما ألقي إليك من الحجة والبرهان.
(فإنا لا نشك في الله أبدا) أي في وجوده وصفاته وإبداعه لهذا العالم وانتهاء سلسلة الممكنات إليه وينبغي أن يعلم أن معرفته تعالى على ثلاثة أقسام (1) يندرج في كل قسم مراتب غير محصورة الأول المعرفة الفطرية وهي حاصلة للعوام أيضا إذا ما من أحد إلا وهو يعرف ربه بحسب الفطرة الأصلية لما ركب فيه من العقل الذي هو الحجة الأولى، ولو أنكر وجوده تعالى منكر فإنما هو لغلبة الشقاوة المكتسبة المبطلة للاستعداد الفطري وهو مع ذلك قد يعترف به في حال الاضطرار كما

1 - قال بعض من تصدى لشرح الكافي ممن لا معرفة له بهذه الأمور أن إثبات وجوده تعالى ليس ممكنا بالاستدلال المنطقي وترتيب المقدمات كما هو طريقة المشائين وليس بالتجربة كما هو طريقة أهل العلوم الطبيعية ولا بالوجدان، والشهود على ما يدعيه الصوفية. بل بالوجدان الساذج وهو سهل وصعب، وقال: هو حاصل من التصادف بين العقل الانساني والموجدات ويحدث من هذا التصادف شرارة كما يحدث من تصادم الحجر والحديد وهي الاعتقاد بالله تعالى. انتهى. وعند المؤمنين بالله تعالى وجوده يثبت بالوجدان والشهود العرفاني وبالاستدلال العقلي وبالفطرة السليمة كما ذكره الشارح وأما التجربة كما هو طريقه الطبيعيين فهي بمعزل عن الوجود المجرد الكامل المحيط بكل شئ الذي لا يناله الحس بل هي خاصة بالأمور الجسمانية الطبيعية. وأما التصادم بين العقل والوجود فلا معنى له إلا أن ينظر الإنسان في الأشياء بنظر العبرة ويشاهد الحكم والمصالح والتدبير المتقن فيها فيعرف بذلك أن لها خالقا عالما قادرا حكيما ومرجعه إلى الاستدلال المنطقي الذي أنكره أولا. (ش)
(٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 ... » »»
الفهرست