شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٨٥
أو من جهة عنوانات صفاته الثبوتية الذاتية لا من حيث أنه عين تلك العنوانات أو معروض لها بل من حيث أنه عين فرد منها في الخارج ويصدق بوجوده بالمشاهدة الحضورية والبراهين القطعية منزها له عما يتلقاها الحس والوهم من توابع إدراكاتها مثل التعلق بالمواد والوضع والأين والمقدار والإشارة والتحديد وغير ذلك.
(ولا يقاس بالناس) لأن قياسه بهم إما في الحقيقة أو في الجنس أو في الفصل أو في الصفات والكيفيات وكل ذلك على الواجب بالذات المنزهة عن التشابه بالممكنات محال (قريب) من كل شيء بالعلم والإحاطة بكلياته وجزئياته (وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير) ولما كان المتبادر من إطلاق القريب هو الملابسة والإلصاق والمشابهة نزه قربه تعالى عن هذه الامور بقوله (في بعده) أي في حال بعده عن كل شيء بالمقارنة والملابسة والمشاركة معه في ذاته وصفاته فأخرجت هذه القرينة لفظ القرب عن الحقيقة إلى المجاز وكسرت الأحكام الوهمية في ذاته وصفاته (بعيد) عن مشابهة الخلائق ذاتا وفات وعن تناول العقول له حدا وكيفية وعن العلم بحقيقة ذاته وصفاته تفصيلا وإجمالا ولما كان المتبادر من إطلاق البعد هو البعد بحسب المكان والمسافة والجهة نزه بعده تعالى عن هذه المعاني بقوله (في قربه) أي حال قربه من كل شيء بالمعنى المذكور وفيه إشارة إلى أنه تعالى ليس بزمان وزماني (1) ولا مكان ومكاني إذ لا يمكن اتصاف شيء منها بالقرب والبعد من جميع الأشياء من كل وجه (فوق كل شيء) بالقهر والغلبة إذ كل شيء مسخر لحكمه وقدرته ومقهور لإرادته ومشيته إن شاء أوجده وأبقاه وإن شاء أعدمه وأفناه.
(ولا يقال شيء فوقه) لأن كل شيء مقهور له والمقهور لا يكون قاهرا عليه ولو وصف غيره بالقهر والقدرة فإنما هو بالنسبة إلى ضعيف دونه وإذا نسب إلى من فوقه كان ضعيفا بالنسبة إليه وكذلك من وفوقه إلى أن ينتهي إلى تمام القدرة القاهرة قدرة الله الذي هو الفوق على الإطلاق القاهر الغالب على جميع من عداه وكل من عداه في رق الحاجة إليه وذل العبودية بين يديه.
(أمام كل شيء) (2) أي قبل كل شيء ومتقدم عليه بالعلية لاستناد جميع الموجودات على

١ - قوله «وفيه إشارة إلى أنه تعالى «ليس بزمان وزماني» وذلك لأن الشيء المكاني لا يمكن أن يكون قريبا وبعيدا معا وهو تناقض وأما المجرد فنسبته إلى جميع الأشياء نسبة واحدة كالنفس بالنسبة إلى جميع أجزاء البدن فالله تعالى ليس في مكان وكذلك الزماني لا يمكن أن يكون قريبا من زماني آخر بعيدا عنه فالله تعالى ليس في زمان ولذلك نسبته إلى جميع الأمكنة والأزمنة واحدة. (ش) ٢ - قوله «أمام كل شيء» فإن قيل فكيف ورد في القرآن «والله من ورائهم محيط» بل كيف ورد أنه بكل شيء محيط ومعنى الإحاطة كونه في جميع الجهات. قلنا إذا نفينا عنه المكان لم يكن فوق ولا تحت ولا أمام ولا خلف حقيقة وإذا أريد المعنى المجازي فالأمام بالمعنى المجازي هو التقدم بالعلية فهو يوجب نفي كونه من وراء أي كونه معلولا وأما الإحاطة بمعنى العلم وعدم اختفاء شيء عنه فصحيح مجازا. (ش)
(٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 ... » »»
الفهرست