شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٧٨
والموجود والعالم والقادر والسميع والبصير فوجب علينا أن نحملها عند إطلاقها عليه على المعنى اللايق به ونعتقد أن ذاته ووجوده وعلمه وقدرته وسمعه وبصره ليست مثل ذاتنا ووجودنا وعلمنا وقدرتنا وسمعنا وبصرنا وأن المراد منها في شأنه ما هو أشرف وأعلى مما يصل إلى عقولنا وأن الاشتراك ليس إلا بمجرد الاسم فقط من غير مشاركة في المعنى بوجه من الوجوه ولما أثبت (عليه السلام) أنه صانع وغيره مصنوع توهم السائل أن فعله في الصنع كفعلنا في الاحتياج إلى الحركة والمباشرة وتحريك الآلات فلذا (قال السائل: فيعاني الأشياء بنفسه؟) (1) أي يلامسها ويباشر خلقها بنفسه ويتعب في إيجادها باستعمال الآت وقوة قائمة به في النهاية معاناة الشيء ملابسته ومباشرته، وفي المغرب العناء المشقة، وفي الصحاح عني بالكسر عناء أي تعب ونصب.
(قال أبو عبد الله (عليه السلام): هو أجل من أن يعاني الأشياء بمباشرة ومعالجة) أي بمباشرة بالأعضاء والجوارح ومزاولة بالحركة والانتقال ومعاملة بالآلات والقوى (لأن ذلك صفة المخلوق الذي لا

1 - قوله «فيعاني الأشياء» ليس تصور كيفية صدور المعلول من العلة عند الماديين أسهل من تصور أصل العلة لأن المعهود عندهم في الفواعل أن يباشروا التحريك والضم والتفريق كالنجار والبناء والمباشرة لا يتصور إلا أن يكون الفاعل جسما كالمنفعل، والمعقول عندهم من الفاعل غير المباشر أن يأمر عبيده وخدمه وعماله والماديون المتدينون أعني المجسمة والحشوية أيضا لا يعقلون غير ذلك فيتصورون خالق العالم جسما في السماء يحوطه خدمه وعماله وهم الملائكة وهم أجسام أيضا ينفذون أوامر الله تعالى كعمال السلطان وينكر ذلك المادي الملحد، وظن السائل أنه يمكن إفحام الإمام (عليه السلام) بهذا السؤال كما كان أفحم غيره من محدثي العامة وحشويتهم.
فأجاب (عليه السلام) بأنه تعالى لا يحتاج إلى المعاناة والمعالجة كما يحتاج إليه صناع الإنس إذ لا يطيع الموجودات أحدا بصرف إرادته ولا يمكن أن يوجد الباني بيتا بالنية فيتوسل بالتصرف والمعالجة ولكن الله تعالى يوجد كل شيء بالمشيئة ولا يحتاج إلى شيء آخر وأما الملائكة وساير الوسائط كالطبايع والقوى والنور والمطر والشمس والريح والأدوية وغير ذلك فليس لعجز واجب الوجود جلت قدرته واستعانته بهم بل لنقصان بعض الممكنات عن قبول الفيض بلا واسطة ولا يليق بكونه أول ما خلق الله إلا أشرف الموجودات وهو الإنسان الكامل وساير الأشياء وجدت بواسطته وقلنا: إن صدور المخلوق عن الخالق تعالى لا يقاس بأي شيء مما نراه فإن مثلنا بالباني والبيت توهم منه استغناء المخلوق عنه في البقاء. وإن مثلناه بالنور والشمس توهم عنه كونه تعالى فاعلا مضطرا غير عالم بما يفعل وكونه بعيدا غير حاضر، وإن مثلناه بالبحر وظهوره في أمواجه توهم منه الحلول وإن كان حسنا من جهة بيان عدم استقلال المخلوق في وجوده وفي قربه من معلوله وحضوره معه، وأما الزنديق السائل فكان معتقدا للنور والظلمة وتكون الأشياء بامتزاجهما وهذا معنى معقول للماديين كما أن النور والظلمة ماهيتان معقولتان لهم ولو مثل لهم بفعل النفس في البدن أو في الافكار والمتخيلات كان أقرب إلى ذهنهم لأن النفس معنى معقول لهم في الجملة، فيخترع كالمهندس صورا ويوجدها في ذهنه بحيث تنعدم وتنمحي إذا قطع توجهه إليها باختياره. (ش)
(٧٨)
مفاتيح البحث: أبو عبد الله (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»
الفهرست