شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٢١٥
* الشرح:
محمد بن إسماعيل، عن الفصل بن شاذان، عن حماد بن عيسى، عن ربعي بن عبد الله عن الفضيل ابن يسار قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: إن الله لا يوصف) أصلا أو بوصف لا يقال به والأخير أنسب.
(وكيف يوصف وقد قال في كتابه «وما قدروا الله حق قدره») أي ما قدروا عظمته وعظمة وصفه حق قدره اللائق به والقدر بالفتح والسكون في الأصل مصدر بمعنى تعيين الشيء وتقديره بأمر لائق به ويطلق كثيرا ما على مبلغ ذلك الشيء ومقداره والأول هنا أنسب.
(فلا يوصف بقدر إلا كان أعظم من ذلك) لأن صفات كماله ونعوت جلاله في أغوارها وعدم إمكان الوصول إلى غور حقايقها يشبه البحر الخضم الذي لا يمكن الوصول إلى ساحله المسائرين ولا إدراك ما في باطنه للغائصين.
* الأصل:
12 - علي بن محمد، عن سهل بن زياد، [أ] وعن غيره، عن محمد بن سليمان، عن علي ابن إبراهيم، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: إن الله عظيم رفيع لا يقدر العباد على صفته ولا يبلغون كنه عظمته، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، ولا يوصف بكيف ولا أين ولا حيث، وكيف أصفه بالكيف؟! وهو الذي كيف الكيف حتى صار كيفا فعرفت الكيف بما كيف لنا من الكيف، أم كيف أصفه بأين؟! وهو الذي أين الأين حتى صار أينا فعرفت الأين بما أين لنا من الأين، أم كيف أصفه بحيث؟! وهو الذي حيث الحيث حتى صار حيثا فعرفت الحيث بما حيث لنا من الحيث، فالله تبارك وتعالى داخل في كل مكان وخارج من كل شيء، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، لا إله إلا هو العلي العظيم، وهو اللطيف الخبير.
* الشرح:
علي بن محمد، عن سهل بن زياد، أو عن غيره، عن محمد بن سليمان) الظاهر أنه محمد بن سليمان ابن الجهم الثقة لا محمد بن سليمان بن عبد الله الديلمي (عن علي بن إبراهيم) الظاهر أنه علي بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله جعفر بن أبي طالب وهو ثقة صدوق والعلامة ذكره في ترجمة ابنه عبد الله وقال: روي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) (عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال: إن الله عظيم رفيع) (1) أشار به إلى أن عظمته باعتبار الشرف وعلو الرتبة لا

1 - قوله «إن الله عظيم رفيع» قال الصدر - قدس الله تربته - هذا الكلام مشتمل على عدة مباحث إلهية ومباحث حكمية فعد ثلاث عشرة مسألة: الأولى: العظمة من صفاته لأن وجوده فوق ما لا يتناهى عدة ومدة وشدة وليس له عدة ولا مدة ولا شدة ولكن يوصف كل قوة بعدم التناهي وبالعظم والصغر مطلقا باعتبار آثارها، الثانية: أنه رفيع بمعنى أن بينه وبين المخلوق مراتب لا يتناهى كما ورد «أن لله تعالى سبعين ألف حجاب من نور وظلمة». الثالثة: إلى الخامسة عجز المخلوق عن وصفه وكنه عظمته ورؤيته. السادسة أنه يدرك الأبصار فضلا عن المبصرات. السابعة أنه لطيف خبير أي عالم بكل شيء وعلة علمه لفظة أي تجرده. الثامنة والتاسعة: أنه لا يوصف بأين ولا كيف. العاشرة والحادية عشرة: إقامة البرهان على أنه لا أين له لأن كل ما في الأين محتاج إلى الأين وهو خالق الأين فهو غير محتاج إليه فلا أين له وكذلك الكيف لأن كل ما له كيف له ماهية فإن الكيف ماهية دخل معناه في ذهننا من ملاحظة اتصاف الوجود بشيء يحدده وهو تعالى خالق كل ماهية وذاته مقدم على كل ماهية فلا بد أن يكون في المرتبة المتقدمة على الماهية خاليا عن الماهية وعن كل كيف وبالجملة كل علة لشيء يجب أن يكون ذاتها مقدمة على ذلك الشيء فلا يكون علة الأين ذات أين ولا علة الكيف ذات كيف أقول فإن قيل كيف يكون علة النور ذات نور وعلة الحرارة ذات حرارة ولا يكون علة الكيف ذات كيف قلنا بينهما فرق لأن ما في الأين يحتاج إلى الأين وما له الكيف ينفعل بالكيف وهذا محال على الله تعالى وأما علة النور كالشمس فلا يستحيل عليها الانفعال ثم أنها لا تحتاج إلى الأنوار المعلولة لها والبرهان الذي ذكر الإمام (عليه السلام) لم يعهد نظيره من أرباب علوم الشريعة من سائر أطباق الفريقين. الثانية عشرة والثالثة عشرة أنه تعالى داخل في الأشياء وخارج عنها قال الصدر (رحمه الله) فإن غاية العظمة كما يستلزم الدخول في كل شيء فكذا يستلزم الارتفاع عن كل شيء.
أقول: هذا هو المعنى الصحيح لوحدة الوجود بعبارة لا يشمئز منها الأذهان الساذجة وأصل التعبير عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وكان الناس قبل صدر المتألهين يظنون كلام الأئمة (عليهم السلام) خطابيا مناسبا لأذهان العامة إلا قليلا مما تعرض لشرحه أعاظم علمائنا فلما شرح الصدر أحاديث الأصول ثبت أن جميع ما ذكروه برهانية مبينة لدقائق علم التوحيد.
ثم ذكر في كلامه الحجب وقد رأيت في كلام القاضي سعيد تحقيقا أحببت إيراد حاصله وهو أنه ورد في الخبر أن بينه وبين خلقه سبعا أو سبعين أو سبعمائة حجابا إلى غير ذلك من عقود السبعة وتلك الحجب ليست لله إذ لا يحجبه شيء بل هي للخلق في سيرهم إلى الله تعالى فإن قيل ورد في طرق العامة والخاصة أن لله سبعين أو سبعين ألف حجاب من نور» وظلمة فكيف التوفيق قلت اللام في قوله لله للتملك كما في قوله تعالى: «له الخلق والأمر» وتلك الحجب هي مراتب خلقه فالخلق أنفسهم حجب لا يصلون إلى الله ما داموا مقيدين بأنفسهم وفي حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) «ليس بينه وبين خلقه حجاب» لأنه معهم أينما كانوا انتهى كلامه.
ونظيره في الإنسان أن الباصرة محجوبة عن إدراك النفس والنفس غير محجوبة عن إدراك الباصرة. (ش)
(٢١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 ... » »»
الفهرست